أما الكلمة التي هي للمستمعين الذين كانو الليلة البارحة - عندما أرعدت السماء وأبرقت وأمطرت – كانوا على المقاعد المريحة في الغرف الدافئة فلم يعرفوا ما حال الفقراء في تلك الليلة. إني أقول لهم: إن في البلد في حيكم بين جيرانكم كثيرات من أمثال السيدة التي كتبت إلي ... وإن في البلد من يرتجف هذه الليلة من البرد في البيوت التي ثلجها الشتاء، وإن هنالك تلميذات وتلاميذ يقرؤون بعيون تزيغ من الجوع والقر، ويكتبون بأصابع محمرة من البرد. وإن في هؤلاء من لو أمد بالطعام واللباس وأعين على الدراسة لكان عبقريا تعتز بمثله الأوطان وتسمو الأمم، واذكروا أن بين أجراء الخبازين وصبية المحامين من خلق ليكون من كبار العلماء وأفراد النابغين ولكن الفقر عطل مواهبه وسد أمامه طريق النبوغ فلم يجد ذكاؤه مسربا يسرب منه إلا الإجرام. إن الذي ينفقه الأغنياء على الترف والسرف يكفي لتعليم كل ولد في البلدة وإطعام كل جائع وإسعاف كل فقير. إن عرسا واحدا من إعراس الموسرين الكبار تكفي نفقاته لإطعام عشر عائلات شهرا كاملا، وما ينفق في الجنائز يفتح كل سنة مستشفى مجانيا للفقراء، وأثمان الحلوى في أعياد الميلاد تنشئ كل سنة مدرسة تتسع لخمسمائة تلميذ، وما تشترى به هذه الثريات الفخمة أو في الملاهي والموبقات يكفي لسد حاجة كل محتاج.
وأنا لا أقول دعوا هذا كله ولكن اجعلوا من أموالكم نصيبا لهؤلاء المعذبين في الأرض، فإنكم لا تدرون هل تدوم لكم أو تذهب عنكم، وإذا وثقتم ببقاء المال فهل تثقون ببقاء الصحة أتأمنون الأمراض والنوازل والنكبات؟ فاستنزلوا رحمة الله بالبذل وادفعوا عنكم المصائب بالصدقات. لو أن كل امرئ يعطي من هو أفقر منه لما بقي في الدنيا محتاج. فيا أيها المستمعون أسألكم بالله لا تدعو كلمتي تذهب في الهواء، فإني والله ما أردت إلا الخير لكم، ويا أيتها الأم التي كتب إلي، ثقي بالله فإن الله لا يضيع أحدا أبدا.
ـ[الطيماوي]ــــــــ[24 - 11 - 10, 01:38 م]ـ
هنيئا لك الحج ياسعيد
بعد انتهاء مراسم الحج وانفضاض الحجيج كل في حال سبيله اكتض المطار بالحجاج العائدين الى بلادهم وهم ينتظرون طائراتهم لتقلهم الى الاحباب الذين ينتظرونهم بفارغ الصبر , جلس سعيد على الكرسي وبجانبه حاج اخر فسلم الرجلان على بعضهما وتعارفا وتجاذبا اطراف الحديث حتى قال الرجل الاخر:
- والله يا أخ سعيد انا اعمل مقاولا وقد رزقني الله من فضله وفزت بمناقصة اعتبرها صفقة العمر وقد قررت ان يكون اداء فريضة الحج للمرة العاشرة اول ما أفعله شكرانا لله على نعمته التي انعم بها علي وقبل ان أتي الى هنا زكيت اموالي وتصدقت كي يكون حجي مقبولا عند الله.ثم اردف بكل فخر واعتزاز:
- وها انا ذا قد اصبحت حاجا للمرة العاشرة
اومأسعيد برأسه وقال:
- حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا ان شاء الله
ابتسم الرجل وقال:
- اجمعين يارب وانت يا أخ سعيد هل لحجك قصة خاصة؟
اجاب سعيد بعد تردد:
- والله يا أخي هي قصة طويلة ولا اريد ان اوجع رأسك بها
ضحك الرجل وقال:
- بالله عليك هلا اخبرتني فكما ترى نحن لانفعل شيئا سوى الانتظار هنا.
ضحك سعيد وقال:
- نعم, الانتظار وهو ما تبدأ به قصتي فقد انتظرت سنينا طويلة حتى احج فأنا اعمل منذ ان تخرجت معالجا فيزيائيا قبل 30 سنة وقاربت على التقاعد وزوجت ابنائي وارتاح بالي ثم قررت بما تبقى من مدخراتي البسيطة أداء فريضة الحج هذا العام فكما تعرف لايضمن احد ماتبقى من عمره وهذه فريضة واجبة.
رد الرجل:
- نعم الحج ركن من اركان الاسلام وهو فرض على كل من استطاع اليه سبيلا.
اكمل سعيد:
- صدقت , وفي نفس اليوم الذي كنت اعتزم فيه الذهاب الى متعهد الحج بعد انتهاء الدوام وسحبت لهذا الغرض كل النقود من حسابي, صادفت احدى الامهات التي يتعالج ابنها المشلول في المستشفى الخاص الذي اعمل به وقد كسا وجهها الهم والغم وقالت لي استودعك الله يا اخ سعيد فهذه اخر زيارة لنا لهذا المستشفى , استغربت كلامها وحسبت انها غير راضية عن علاجي لابنها وتفكر في نقله لمكان اخر فقالت لي لا يا أخ سعيد يشهد الله انك كنت لابني احن من الاب وقد ساعده علاجك كثيرا بعد ان كنا قد فقدنا الامل به.
اسغرب الرجل وقاطع سعيد قائلا:
- غريبة , طيب اذا كانت راضية عن ادائك وابنها يتحسن فلم تركت العلاج؟
¥