تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و بعضهم مذق الحديث يقول ما لا يفعلُ!

ـ[مسلمه مصريه]ــــــــ[17 - 08 - 08, 05:00 ص]ـ

قال المدائني:

لما حج أبو جعفر المنصور قال للربيع: ابغني فتى من أهل المدينة أديبا ظريفا عالما بقديم ديارها، ورسوم آثارها فقد بعد عهدي بديار قومي، وأريد الوقوف عليها؛ فالتمس له الربيع فتى من أعلم الناس بالمدينة، وأعرفهم بظريف الأخبار، وشريف الأشعار؛ فعجب المنصور منه؛ وكان يسايره أحسن مسايرة، ويحاضره أزين محاضرة، ولا يبتدئه بخطاب إلا على وجه الجواب؛ فإذا سأله أتى بأوضح دلالة، وأفصح مقالة؛ فأعجب به المنصور غاية الإعجاب، وقال للربيع: ادفع إليه عشرة آلاف درهم؛ وكان الفتى مملقا مضطرا؛ فتشاغل الربيع عنه واضطرته الحاجة إلى الاقتضاء، فاجتاز مع المنصور بدار عاتكة؛ فقال: يا أمير المؤمنين؛ هذا بيت عاتكة بنت يزيد بن معاوية الذي يقول فيه الأحوص بن محمد:

يا بيت عاتكة الذي أتعزل ... حذر العدا وبه الفؤاد موكل

فقال المنصور: ما هاج منه ما ليس هو طبعه: من أن يخبر بما لم يستخبر عنه، ويجيب بما لم يسأل عنه؟ ثم أقبل يردد أبيات القصيدة في نفسه إلى أن بلغ إلى آخرها وهو:

وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق اللسان يقول ما لا يفعل

فدعا بالربيع وقال له: هل دفعت للمدني ما أمرنا له به؟ فقال: أخرته علة كذا يا أمير المؤمنين، قال: أضعفها له وعجلها.

و الأبيات من قصيدة نظمها الأحوص في مدح الخليفة عمر بن عبد العزيز و قد كانت عادة العرب أن تستهل قصائد المدح بأبيات من الغزل.

يا بيت عاتكة الذي أتعزل ... حذر العدى وبه الفؤاد موكل

هل عيشنا بك في زمانك راجع ... فلقد تفحش بعدك المتعلل

أصبحت أمنحك الصدود وإنني ... قسما إليك مع الصدود لأميل

فصددت عنك وما صددت لبغضة ... أخشى مقالة كاشح لا يغفل

يأتي إذا قلت استقام يحطه ... خلف كما نظر الخلاف الأقبل

ولو ان ما عالجت لين فؤاده ... فقسا استلين به للان الجندل

وتجنبي بيت الحبيب أحبه ... أرضي البغيض به حديث معضل

إن الشباب وعيشنا اللذ الذي ... كنا به زمنا نسر ونجذل

ولت بشاشته وأصبح ذكره ... شجنا يعل به الفؤاد وينهل

إلا تذكر ما مضى وصبابة ... منيت لقلب متيم لا يذهل

أودى الشباب وأخلقت لذاته ... وأنا الحريص على الشباب المعول

تبكي لما قلب الزمان جديده ... خلقا وليس على الزمان معول

والرأس شامله البياض كأنه ... بعد السواد به الثغام المحول

وشفيقة هبت علي بسحرة ... جهلا تلوم على الثواء وتعذل

فأجبتها إن قلت لست مطاعة ... فذري تنصحك الذي لا يقبل

إني كفاني أن أعالج رحلة ... عمر ونبوة من يضن ويبخل

بنوال ذي فجر يكون سجاله ... عصما إذا نزل الزمان الممحل

ماض على حدث الأمور كأنه ... ذو رونق عضب جلاه الصيقل

يغضي الرجال إذا بدا إعظامه ... فعل الخشخاش بدا لهن الأجدل

ويرون أن له عليهم سورة ... وفضيلة سبقت له لا تجهل

متحمل ثقل الأمور حوى له ... شرف المكارم سابق متمهل

وله إذا نسبت قريش فيهم ... مجد الأرومة والفعال الأفضل

وله بمكة إذ أمية أهلها ... إرث إذا ذكر القديم مؤثل

أغنت قرابته وكان لزومه ... أمرا أبان رشاده من يعقل

ولقد بدأت أريد ود معاشر ... وعدوا مواعد أخلفت إذ حصلوا

حتى إذا رجع اليقين مطامعي ... يأسا وأخلفني الذين أؤمل

زايلت ما صنعوا إليك بنقله ... عجل وعندك عنهم متحول

ووعدتني في حاجتي وصدقتني ... ووفيت إذ كذبوا الحديث وبدلوا

وشكوت غرما فادحا فحملته ... عني وأنت لمثله متحمل

فأعد فدى لك ما أحوز بنعمة ... أخرى ترب بها نداك الأول

فلأشكرنك حسن ما أوليتني ... شكرا تحل به المطي وترحل

مدحا يكون لكم غرائب شعرها ... مبذولة ولغيركم لا تبذل

وإذا تنخلت القريض فإنه ... لكم يكون خيار ما أتنخل

أثني عليكم ما بقيت فإن أمت ... تخلد غرائبها لكم تتمثل

فلعمر من حج الحجيج لوجهه ... تهوي بهم خوص طلائح ذبل

إن امرءا قد نال منك قرابة ... يرجو منافع غيرها لمضلل

تعفو إذا جهلوا بحلمك جهلهم ... وتنيل إن طلبوا النوال فتجزل

وتكون معقلهم إذا لم ينجهم ... من شر ما يخشون إلا معقل

حتى كأنك يتقى بك دونهم ... من أسد بيشة خادر متبسل

وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق الحديث يقول ما لا يفعل

وأرى المدينة حين كنت أميرها ... أمن البريء بها ونام الأعزل

*******

ـ[مسلمه مصريه]ــــــــ[19 - 08 - 08, 04:39 ص]ـ

ومما يُروى من هذا الباب أيضا (المعاريض):

ما حدث لأبي العلاء المعري (وكان فيه تعصب للمتنبي و أشعاره) في مجلس المرتضي العلوي ذات يوم، فأخذ هذا الأخير في انتقاص المتنبي يتتبع عيوبه ويذكر سرقاته الشعرية ليثير حفيظة المعري،و سايره الحاضرون إلا هو آثر الصمت،فسأله المرتضي عن رأيه،

فقال أبو العلاء: لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلا قصيدته "لك يا منازل في القلوب منازل"، لكفاه فضلاً ...

فغضب المرتضي، وأمر به؛ فسُحب من رجليه حتى أُخرج مهانًا من مجلسه وسط دهشة الحاضرين!

والتفت لجلسائه قائلاً: أتدرون أي شيء أراد الأعمى بذكر تلك القصيدة؟ فإن للمتنبي ما هو أجود منها لم يذكره.

قالوا: النقيب السيد أعرف.

فقال: إنما أراد قوله:

وإذا أتتك مذمَّتي من ناقص*فهي الشهادة لي بأنِّي كامل!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير