تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مسلم في صحيحه.

فهذا أمر لا بد من معرفته فإن بعض الناس قد يغلو في هذا الأمر فيظن أن كل شيء من هذه العلوم التي يحصلها الناس في أمور الدنيا لا بد أن يكون مشارا إليه في القرآن، حتى إن منهم من يحاول أن يلوي أعناق النصوص لتوافق هذه الأمور ويتعسف في ذلك تعسفًا بيِّنًا، وهذا من الظلم الذي حرمه الله تعالى، فإن كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم – لابد أن تفهم على الوجه الذي نزلت به وأن تؤخذ منها الدلالة التي أرادها الله تعالى في ذلك وليس بأن يتعسف في إنزالها على أمور لا إشارة لها لا من قريب ولا من بعيد.

هذا مع أنه يوجد - بحمد الله - إشارات ليست باليسيرة لكثير من الأمور الثابتة التي دل عليها كتاب الله جل وعلا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

وهذا قد عُرف في العصر الحديث بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم، وهذا تارة يكون موافقًا للصواب إذا دل عليه النقل من كتاب الله أو سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بطريق من طرق الدلالات المعتبرة، وأما أن يتعسف في النصوص ويحاول أن ينزل القرآن على ذلك بأي وجه من الوجوه فهذا ليس مسلك أهل العلم ولا من نهج النبي – صلوات الله وسلامه عليه – فمستقل ومستكثر.

والصواب إنما هو في أخذ الدلالة التي أشار إليها النص بالطرق المعتبرة في ذلك، فمتى ما وجد هذا فهذا أمر حسن فإن هذا يزيد المؤمن إيمانًا ويعين على الدعوة إلى الله جل وعلا وغير ذلك من الأمور الحسنة الفاضلة.

فإذا علم هذا - يا أختي - أيضًا فلتعلمي أن ما أشرت إليه من وجود أطباق طائرة أو رجال من الفضاء نزلوا إلى الأرض أو رسوم هندسية مختلفة على شكل غريب أو وجود الإنسان القديم المنقرض الذي عبرت عنه بقولك: (النيوتردال)، فهذه الأمور- يا أختي – لا بد أن يتثبت منها أولاً، فليس كل خبر تتناقله وسائل الإعلام يسلم له وينزل منزلة الحقيقة الواقعة، وأصل ذلك أن تعلمي أنه لم يثبت بأي وجه من الوجوه أن هنالك أطباقًا طائرة قد نزلت إلى الأرض أو أن هنالك رجالاً من الفضاء قد نزلوا إليها، فهذا أمر إنما هو يساق في بعض وسائل الإعلام وتروجه لغرض الدعاية، وليس هنالك دليل على ثبوت هذا، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}، فأمر جل وعلا بالتثبت، فمتى وجد ذلك وثبت بالدليل القطعي فهذا لا مانع منه، فإن الله جل وعلا يخلق ما يشاء، على أن الذي على كوكب الأرض إنما هو المخلوقات التي قد بيَّنها جل وعلا، والتي مدارها على أربعة مخلوقات: فالأولان من هؤلاء الأربعة هما: (الإنس والجن) وهما الثقلان، وهما العبيد الذين أُمروا بطاعة الله جل وعلا وباجتناب معصيته، فهم مكلفون بهذا الاعتبار.

والقسم الثالث: هم ملائكة الرحمن الذين هم موكلون بالأعمال التي أمر الله تعالى من حفظ العباد.

والقسم الرابع: هم الحيوانات التي لا عقل لها، وهذا يشمل بحسب الظاهر البهائم العجماوات، ويشمل كذلك ما دون ذلك من الكائنات الحية حتى التي لا تُرى بالعين المجردة، فلابد إذن من التثبت، ولا يمكن الجزم بوقوع هذه الأمور حتى تثبت بطريق نقلي صحيح مقطوع به، وأما أن يتلقف ذلك من بعض وسائل الإعلام فهذا أمر لا طائل من ورائه، فإن المؤمن شأنه التثبت والتمحيص، ولا يأخذ الأمور إلا بعد تروٍ ونظر وتثبت.

وأما عن الإنسان المنقرض فهذا أمر قد بيَّنه – صلوات الله وسلامه عليه - بإشارته العظيمة، فأول إنسان خلقه الله تعالى هو آدم وبيَّن صفته الكريمة فقال – صلى الله عليه وسلم -: (خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعًا فلما خلقه قال اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليكم ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن).

وقد خلق الله تعالى آدم - عليه الصلاة والسلام – عالمًا بمصالحه في الأرض خبيرًا بمسمياتها، قال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} فكان يعلم كل المسميات، وكان على دراية بما يصلحه منها، وكان من أولاده من له الزرع ومن له الماشية، وليس كما يشاع من أن الإنسان عاش عصرًا حجريًا وكان كالبهيمة، ثم بعد ذلك تطور شيئًا فشيئًا حتى وصل إلى هذا الحال، نعم هنالك تقدم علمي يحصل شيئًا فشيئًا بحسب ما يتاح للإنسان من العلم والتعلم فهذا أمر مسلَّم ولا إشكال فيه، ولكن أن يصور الإنسان من بدء خلقه على أنه كان كالبهيمة لا يدرك شيئًا ولا يعرف مصالح نفسه شيئًا فهذا أمر مخالف للنقل الثابت في كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – بل علم الله آدم الأسماء كلها، وكان على دراية بما يصلحه، وكانت ذريته من بعده يتناقلون ذلك، وكان لهم اللباس – أي يسترون به أنفسهم – وقد بقوا ألف سنة يوحدون الله تعالى لا يشركون به شيئًا، وقد شرع الله لهم ستر عوراتهم وشرع لهم الزواج، فكانوا يتزاوجون فيما بينهم وكان لهم تنظيم إنساني، وهذا من باب أولى أن يدحض به نظرية النشوء والارتقاء (نظرية داروين) التي هي نظرية الإلحاد والضلال والتي فسادها من أبين الأمور وأوضحها ولله الحمد والمنة.

ونسأل الله عز وجل أن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، وأن يوفقك لما يحبه ويرضاه وأن يفتح عليكم من بركاته ورحماته وأن يزيدك من فضله

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير