تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأقرب مثال كنت أتابعه سنوات قديمة، وليس والله بحديث هذا المثال، سنوات بعيدة من أشد ما لفت نظري في النملة عند بناء البيوت، النمل عند بناء البيوت -وهذا سأتطرق له بعد قليل- معروف بتعاونه، لكن الغريب فيه الجدية منقطعة النظير

والنملة تحضر البيت، وتأتى مسرعة، وتضع ما في فمها من حبة الرمل، ثم تعود إلى البيت، الذي لاحظته على هذا الأمر السرعة المتناهية، واسمحوا لي لو قلت لكم: ما شبهت هذا الأمر إلا بنوع من العمال خاصة إذا كان العمل بطوعه، أبدا، جد ونشاط وعمل غريب جدا، ما يتوقف النمل والله ما أذكر إني رأيت منها على كثرة ملاحظتي واحدة واقفة، أو واحدة تمشي شوية، وتقف شوية، أبدا، ثم تلاحظ بعض لحظات فإذا الرمل بهذا الشكل قد أخرجته هذه النملة، مع أنها لا تستطيع أن تحمل أكثر من حبة صغيرة، جدية عجيبة جدا.

النملة انظروا من جديتها وجلدها وصبرها، وقد رأيتم ذلك، وهي تحمل حبة، النملة ثبت في دراسات علم الأحياء أنها تحمل أكثر من وزنها، أقول: أكثر من عشرات مرات، الملاحظة الآن إنها حتى تحمل حبة تقطع مسافة بعيدة جدا، مسافة -أيها الإخوة- غريبة ومتعبة حتى الواحد منا إذا كان ممن يتابع هذه القضية، ويرصد هذه الأحوال إذا رأى هذه النملة، ومعها هذه الحبة، وبخاصة إذا كانت وحدها، وتسير يأتيه شعور عاطفي يتمنى لو يعلم أين بيتها ليحملها هي وحبتها، ويضعها عند بيتها، لكن لا، وتمشي ومسافة قد تجلس يوما كاملا من أجل أن تقطع مسافة بسيطة جدا لا تتوقف ولا تتلكأ، ولا تتردد، هذه حقيقة راقبوها.

هذه جدية -يا إخوان- نحتاج إليها، وبخاصة في موضوع طلب العلم؛ لأننا نشكو الآن من حالة الضعف في طلب العلم، الفتور في طلب العلم، كنت اليوم مع طلاب أقارن بين وضع علمائنا ومشايخنا في طلبهم للعلم، وبين واقعنا الآن.

وأعطيكم هذا المثال: قرأت مقابلة مع شيخنا العلامة الشيخ عبد الله بن جبرين فقال له السائل: يا سماحة الشيخ كيف كنتم تطلبون العلم على المشايخ؟ قال: كنا نجلس بعد الفجر، ونطلب العلم حتى طلوع الشمس نقرأ في كتاب كذا وكذا، ثم نواصل حتى الضحى، ومن الضحى حتى الظهر.

ثم أنا أذكر لكم مثالا واحدا موجود بيننا، يعيش بيننا -بارك الله في عمره - قال الشيخ: ثم نعود بعد العصر لما قال الشيخ بعد العصر قلت: الحمد لله خلى لنا الشيخ الظهر حجة لنا من المتكاسلين أنه أغفل الظهر ما نطلب العلم فيه، ثم نعود بعد العصر، ونبدأ نقرأ في الكتب حتى المغرب، ثم نبدأ بعد المغرب حتى العشاء، ثم سكت الشيخ، قلت: الحمد الله، وترك لنا بعد العشاء.

فسأله السائل قال: يا شيخ إذا كنتم تطلبون العلم على المشايخ من صلاة الفجر حتى الظهر، ومن صلاة العصر حتى العشاء متى تحفظون المتون؟ قال: نحفظ المتون بعد الظهر، وبعد العشاء، قلت: ما ترك الشيخ لنا شيئا.

إذن يعمل بجد واجتهاد من صلاة الفجر إلى الساعة التاسعة والعاشرة ليلا في طلب العلم

أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذ جمعتنا يا جرير المجامع

نعم -أيها الأخ -فهذه النملة لا تتوقف؛ دأب وصبر وتحمل وجد واجتهاد منقطع النظير، يقول أحد علماء الأحياء -الذين كتبوا عن النملة-: إن النمل مجتمع مثالي، مجتمع نشيط، عامل لا مكان فيه لكسول أو خامل، أو أي فرد متواكل.

خامساً: من صفات النمل الصدق مجتمع النمل -يا أحبتي الكرام- مجتمع الصدق.

من صفات النمل الصدق لا مكانة للكذاب في مجتمع النمل، ما رأيكم؟ لا عندهم كذب أبيض، ولا أسود، ولا أحمر، حتى التورية غير موجودة في عالم النمل، واسمعوا هذه القصة الذي أحدثكم، بل يحدثكم فيها العلّامة ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "مفتاح دار السعادة" قصة عجيبة عن النمل.

يقول: جاء رجل ووضع قطعة من الحلوى سكر أو حلوى -أنا بعيد عن القصة لم أراجعها هذه الأيام - يقول: وضع قطعة من الحلوة فجاءت نملة، فلما جاءت -والنمل أيضا بالمناسبة ليس مجتمعا أنانيا، بل إنه مجتمع متعاون -كما سيأتي إن شاء الله-، لكن هذا في ثنايا القصة - فقامت النملة وأرسلت إشارات، والمعروف أنها ترسل إشارات عن طريق مركز الاستشعار القرنين، الشعرتين الموجودتين في رأسها هذا يسمى مركز الاستشعار كما قرر علم الأحياء، فأرسلت إشارة نقول: لاسلكي، فما علم هذا الذي وضع هذا الذي وضع قطعة الحلوى إلا وقد أقبلت النمل، لما أقبلت النمل قام صاحبنا -كما يذكر ابن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير