تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كتب عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - إلى بعض أصحابه: (أما بعد: فإنه من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير، ومن عد كلامه من عمله قلّ كلامه إلا فيما ينفعه والسلام) (21).

قال عطاء بن أبي رباح: (يا بن أخي! إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدون فضوله ما عدا كتاب الله - عز وجل - أن تقرأه، وتأمر بمعروف أو تنهى عن منكر، أو تنطلق بحاجتك في معيشتك التي لا بد لك منها. أتنكرون أن عليكم حافظين كراماً كاتبين؟) (22).

والشباب في هذا الزمان أخص الصالحين منهم أصبح هذا الجانب عند أكثرهم مفقوداً .. بل ربما هو لا يُفكر فيه ابتداءً إلا من رحم الله - تعالى -؛ لذلك نشأ عنه عند كثير من الصالحين والدعاة وطلبة العلم فقدان السمت، ونقص الحكمة في الكلام، وخلط الجد بالهزل؛ فضلاً عن الوقوع في بعض المحرمات كالغيبة والكذب والسمعة ونحوها .. ولعل بقاء المرء في معتكفه وسيلة عظيمة لحبس لسانه ومحاسبة نفسه على كل حرف يخرج منه في غير ذكر الله أو ضرورة ..

كما أن المعتكف ينبغي له أن يعوّد نفسه ويعوّد كل من يقطع عليه اعتكافه على عدم الاسترسال في الكلام الذي لا حاجة له، مع مراعاة الأدب وحسن القصد.

قال إبراهيم بن سليمان: (كنت جالساً مع سفيان، فجعل رجل ينظر إلى ثوب كان على سفيان ثم قال: يا أبا عبد الله! أي شيء كان هذا الثوب؟ فقال سفيان: كانوا يكرهون فضول الكلام) (23).

ويُتنبه هنا إلى أنه يُكره للمعتكف الصمت عن الكلام إذا اعتقد أنه عبادة أو قربة؛ لحديث الرجل الذي نذر أن يقوم في الشمس ولا يتكلم ويصوم، فأمره الرسول أن يستظل ويتكلم ويقعد ويتم صومه، والحديث في الصحيح (24).

2 - فضول الأكل:

قال إبراهيم بن أدهم: (من ضبط بطنه ضبط دينه، ومن ملك جوعه ملك الأخلاق الصالحة، وإن معصية الله بعيدة من الجائع قريبة من الشبعان) (25).

إن قلة الطعام توجب رقة القلب وانكسار النفس وضعف الهوى والغضب، كما أنها تطلق المرء من قيود الكسل والدعة والخمول.

قال لقمان لابنه: (يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة) (26).

وقال ابن القيم - رحمه الله -: (وأما فضول الطعام فهو داع إلى أنواع كثيرة من الشر؛ فإنه يحرك الجوارح إلى المعاصي وينقلها عن الطاعات وحسبك بهذين شراً) (27).

ولا شك أن المعتكف بحاجة إلى نبذ كل ما يقعده عن الطاعة ومن ذلك كثرة الأكل وتنويعه .. قال عمر - رضي الله عنه -: (من كثر أكله لم يجد لذكر الله لذة) (28).

كما أنه فرصة للمرء ليُربي نفسه عن التقلل والتزهد في أصناف المطعومات ويجاهد نفسه عن الاستغناء عن كثير مما اعتاده.

قُدّم لعمر بن عبد العزيز طعامٌ كثير عند بعض أهله فقال: (ويحك! هذا ما يسد الجوعة ويُذهب سَورة النفس، وتقدّم فضل ذلك ليوم فقرك وفاقتك؟) (29).

وكذلك فإن عدم الاهتمام بتنويع الأكل والبحث عنه سيوفر للمرء وقتاً في معتكفه هو بحاجة ماسة إلى صرفه في ذكر وطاعة.

قال أبو الوفاء ابن عقيل: (وأنا أقصر بغاية جهدي أوقات أكلي حتى أختار سف الكعك وتحسيه بالماء على الخبز لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ توفراً على مطالعة أو تسطير فائدة لم أدركها) (30).

3 - فضول المخالطة:

وهذه أمرها جلل لأن أكثر الناس درجوا على الاجتماع والخلطة حتى افتقدوا إلى القدرة على إنشاء الطاعات وإتمامها بأنفسهم بعيداً عن الرفاق.

وصورة ذلك في الاعتكاف ما يُرى من تجمع المعارف ليعتكفوا في مسجد واحد أو مكان معين في مسجد ما ... وهذا وإن كان يسوّغه أحياناً لبعض الناس وجود مصالح راجحة من منظور تربوي دعوي .. إلا أنه يحسن بالمرء معرفة أمور ومراعاتها:

* منها أن كثرة الخلطة تقصر همة العبد عند همة أصحابه أو دونهم:

يقول ابن القيم - رحمه الله -: (فما على العبد أضر من عشائره وأبناء جنسه؛ فنظره قاصر وهمته واقفة عند التشبه بهم ومباهاتهم والسلوك أين سلكوا؛ حتى لو دخلوا جحر ضب لأحب أن يدخل معهم) (31).

فهذا يدعو المرء للانفراد حتى يعامل الله مباشرة؛ فكلما ظن أنه مقصر ازداد اجتهاداً ..

* ومنها أن الخلطة مظنة كثرة المزاح مما يقود إلى التقليل من هيبة مكان وزمان الطاعة وأن ينجر المرء إلى بعض الآثام كالغيبة والكذب ونحوها ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير