فإن قلة الطعام توجب رقة القلب وانكسار النفس وضعف الهوى والغضب، كما أنها تطلق المرء من قيود الكسل والدعة والخمول.
فهى فرصة لك لتُربي نفسك على التقلل والتزهد في أصناف المطعومات وتجاهد نفسك عن الاستغناء عن كثير مما اعتدته
قال لقمان لابنه:
(يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة)
وقال عمر ـ رضي الله عنه ـ: (من كثر أكله لم يجد لذكر الله لذة)
3 - تعد كلامك من عملك:
فالاعتكاف فرصة ليتحرر المرء من فضول كلام، وكثرة هزل
فقد كتب عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ إلى بعض أصحابه:
(أما بعد: فإنه من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير، ومن عد كلامه من عمله قلّ كلامه إلا فيما ينفعه والسلام)
و جاء عن الحسن أنه قال:
(أدركت أقواماً كان أحدهم أشحّ على عمره منه على درهمه)
و أنت فى الاعتكاف ندعوك أن تبحر مع البوطى فى بحر ابن عطاء:
(ما نفع القلب مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة)
هذه حكمة ذهبية من الحكم العطائية التي توزن فوائدها بأكثر و أثمن مئات المرات من الذهب و الماس.
ساق ابن عطاء الكلمة نكرة و لم يأت بها معرفة ب (أل) .. وبين النكرة و المعرفة فرق دقيق في المعنى.
فالعزلة ليست مرادة لذاتها و إنما هي مطلوبة لتكون مناخا و ظرفا مناسبا للتأمل و التفكير.
أي لو أن أحدنا أخذ الشطر الأول من الحكمة فألزم نفسه بمنهاج من العزلة يخلو فيها مع نفسه ساعة أو ساعتين كل يوم، يعانق هذه العزلة لذاتها بعيدا عن أي ذكر أو ورد أو مناجاة .. بعيدا عن أي وظيفة فكرية .. فهو سلوك جانح مختل لايأتي لصاحبه بأي خير،، بل هو بالأحرى سلوك ضار للنفس و مزهق للوقت.
العزلة المنشودة هي تلك التي تكون مناخا و مجالا للتأمل و التفكر فيما يفيد الإنسان و فيما يقربه إلى الله و فيما يعتقه من أسباب الشقوة التي تتربص بالإنسان
فالدعوة موجهة هنا إلى أمرين (أحدهما وسيلة للآخر):- العزلة و التفكر.
أولهما يشبه الحمية بالنسبة للمريض و الثاني كالدواء. و الطبيب ينصح المريض بالأمرين و لن يكتمل العلاج وتتم الاستفادة ما لم يراعى الاثنين.
والمراد بالفكرة هنا الاشتغال بالموضوع الذي يقربه إلى معرفة ذاته و يوقظه إلى إدراك هويته عبدا مملوكا لله ومن ثم يقربه إلى معرفة ربه و يدنيه من محبة الله عز وجل و تعظيمه و تعظيم حرماته.
إذن فلابد من أن يشغل الإنسان نفسه في خلوته هذه بمادة تحقق له هذه الأهداف .. والأفضل أن تكون هذه المادة هي التأمل في ذاته.
من أنا؟؟ كيف جئت لهذه الدنيا؟؟ لماذا؟؟ هل لدي هدف؟؟ هل أسعى لأجل تحقيقه؟؟ هل هو نبيل؟؟ ربما أرحل فجأة ماذا صنعت في عمري الذي مضى؟؟ ماذا جنيت من الملاذ التي تمتعت بها؟؟
أتأمل في المتعة التي ذهبت لذاتها و بقيت مغارمها،، والطاعات التي ذهبت أتعابها و بقي ثوابها .. أتأمل في هذا كله و أتساءل بصدق مع الذات وتوبة:-
لماذا لم أستكثر من الطاعات خلال عمري؟؟ و أنظر،، وإذا .. مازال بالعمر بقية تستنهضني لضرورة الشعور بالمبادرة الفورية لانتهاز الفرصة .. وهكذا أعاهد نفسي،، بل أعاهد الله أن لا أضيع الثمالة الباقية من العمر .. وأن أسارع بالغراس
وقبل أن نختم تذًكر - أخى الحبيب- أنه:
عندما نبتعد عن ذواتنا الحقيقية لمسافات بعيدة جدا تدفعنا فيها الدنيا دفعا فنسقط و قد صرنا مرضى بمشاغلها مرهقين بملذاتها .. حينها يصبح الاعتكاف،،،،، عظيما و عذبا لأقصى حد.
وما أجمل أن نختم ونحن نهمس فى أذنك
أخى الحبيب ...
ارحل عن الضجيج لمدة معينة يوميا .. ارتم ساجدا عند خالقك مستشعرا عجزك و ذُلًك .. متأملا في عظمته و ضعفك .. اغسل همومك بدعائك و دموعك .. وانضم لقافلة… المعتكفين ..
أولئك الذين اعتكفوا الاعتكاف الذى نريد
ـ[المغربي أبو عمر]ــــــــ[29 - 08 - 09, 02:58 ص]ـ
السنة في الاعتكاف
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
¥