القيم -رحمه الله- فرفع قطعة الحلوى، فجاءت النمل، وما وجدت قطعة الحلوى.
تأملوا في هذه القصة؛ لأن عليها تعليق فيقول: كأنها نظرتها باستغراب، ثم رجعت، وهذه النملة واقفة ليش واقفة؟ محتارة المسكينة، الآن صارت متهمة بالكذب، يقول: لما انصرفت النمل، وبقيت هذه النملة أنزل قطعة الحلوى مرة ثانية، لما أنزلها -أيضا- فرحت، وأرسلت الإشارة فجاءت النمل، فلما أقبلت رفع القطعة، لما رفع القطعة، وجاءت النمل، ودارت ولكنها ووقفت يقول: أكثر من وقفتها الأولى كأنها تستنكر، وتستغرب، ثم انصرفت، لاحظوا المرة الثانية، وبقيت هذه النملة يبدو أنها في صدمة فقام صاحبنا ووضع الحلوى فأرسلت الرسالة الثالثة، فلما أقبلت قام صاحبنا -هداه الله- ورفع قطعة الحلوى.
وهنا وقعت الكارثة: لما جاءت النمل، ولم تجد هذه القطعة ماذا فعلن؟ الآن كمل الثلاث مرات، ومن أعذر فقد أنذر، ومن أنذر فقد أعذر، فمسكن هذه النملة، وقطعنها إربا. كذب مرة أولى قلنا: لعله غلط، مرة ثانية قلنا: لعله وهم، المرة الثالثة، وهي ما كذبت المسكينة، ما كذبت، ولكن في ذلك عبرة فقطعنها اجتمعن عليها التي سحبت يدا، والتي سحبت رجلا، والتي سحبت الرأس، والتي سحبت الذنب حتى قطعنها إربا، كذب.
ما رأيكم لو طبق هذا العمل على المجتمع الإنساني ماذا تتصورون؟ لا، دعونا من المجتمع الإنساني؛ لأن فيه البر والفاجر، لنطبق كل واحد منا على نفسه -كما قلت لكم- اسأل نفسك هل يمر عليك أسبوع، يمر أسبوعان، وأنت لم توري تورية فيها نظر، لا أقصد التورية الشرعية، لم تكذب كذبة فيها وفيها؟. والله إن كنت كذلك فأنني أهنئك والله أهنئك، ولكننا نتساهل في هذا الباب تساهلا عظيما، ونتوسع في هذا الباب، إذن مجتمع النمل يا إخوان مجتمع لا مجال للكذب فيها.
سادساً: من صفات النمل التعاون وعدم الأنانية
الصفة من صفات النمل -أيها الإخوة - من صفات النملة: التعاون:
أولا: من مظاهر التعاون والاجتماع عند النمل -أيها الأخوة- إذا رأيتم عشر من النمل يمشون، أو عشرين هل ترون كل واحدة تمشى وحدها؟، أو أن النملة تخط خطا واحدا؟ أبدا، النمل يخط خطا واحدا، قد تسير في مكان منبثق، ومع ذلك لا تمشي كل واحدة وحدها إنما تجد عشرين، ثلاثين، أربعين، مائة، مائتين مع بعض قد خطت خطا واحدا، هذا صورة من صور التآلف والاجتماع. وهذا مظهر من مظاهر التعاون.
أيضا ثبت أنه إذا مرضت نملة فإن النمل تتعاون على حملها، والذهاب بها إلى البيت ومعالجتها.
أيضا من صور التعاون، وعدم الأنانية: ألستم ترون أن أغلب النمل عندما تحمل طعاما تحمله مجتمعة؟ بل أعجب من ذلك: حفر البيوت، أنا ما رأيت يوما من الأيام -على كثرة ملاحظتي لهذه القضية- أن نملة وحدها تبني بيتها وحدها، تجد عشرات النمل -إن لم يكن مئات النمل- تتعاون في حفر البيت وبنائه.
ونقل الحبوب كل هذه -أيها الأخوة- تدل على تعاون النمل أنه مجتمع متعاون، يقول الله -جل وعلا- (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ().
سابعاً: من صفات النمل التضحية
من غرائب النمل -أيها الإخوة-: التضحية؛ النمل عنده مجتمع مضحٍ، كيف مضحٍ؟
كما قلت لكم لا مكان للأنانية فيه؛ الفرد يضحي من أجل المجموعة، وهذا ثبت في دراسات علمية سأذكر لكم مثلا أو مثلين:
من أسهل الأمور: أن تقدم النملة نفسها فداء لبني جنسها، وتضحية لبني جنسها؛ مما ثبت في الدراسات العلمية أن النمل إذا جاءت مجموعة من النمل، وواجهت واديا -أي عائقا مائيا- لا نقصد واديا كوادي النيل أو وادي الفرات، ولكن نقصد عائقا صغيرا ماذا تفعل النمل؟
هناك طريقتان لعبور هذا الماء: طريقة من الطرق، وهى عجيبة وغريبة: تتشابك النملة؛ كل نملة تشتبك مع نملة أخرى فتكون جسرا حتى تعمل جسرا فوق هذا الماء، نملة متصلة بنملة حتى تصل إلى الطرف الثاني، ثم تبدأ بقية النمل تمشي من فوق هذا الجسر حتى تنتهي النمل، فإذا انتهت جميع النمل جاءت النملة التي في الطرف الآخر، ومشت والجسر باق مستمر حتى تنتهي النمل، أعطاها الله قوة، حتى تنتهي جميع النمل وتعبر.
¥