رسلكما إنها صفية بنت حيي)) فقالا: "سبحان الله، يا رسول الله" فقال: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم
مجرى الدم، وإن خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً، أو قال شيئاً)) وفي رواية: "أنها جاءت تزوره في
اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب، فقام النبي -
صلى الله عليه وسلم- معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة ثم ذكره بمعناه".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى - باب الاعتكاف، الاعتكاف: لزوم المسجد لطاعة الله تعالى، والخلوة
والانفراد في بيت? من بيوت الله -عز وجل - للذكر والصلاة والتلاوة وغيرها من العبادات الخاصة، لا
العامة، ولذا النبي -عليه الصلاة والسلام- يعتزل في معتكفه احتجر حجيرة ينفرد بها عن الناس، وجرى
على هذا أصحابه وأزواجه من بعده، وخيار الأمة من علمائها وعبادها، وينقطعون عن جميع ما كانوا
يزاولونه، ولو كان فيه نفع للناس، فلا تجد عالم يعتكف ثم يلقي دروساً، يدرس الناس ويقرأ عليهم، أبداً، بل
الاعتكاف يخصص للعبادات الخاصة من صلاة وذكر وتلاوة، فهو لزوم المسجد لهذا الأمر، والاعتكاف منهم
من يجعل أقّله اليوم والليلة، ومنهم من يقول: ما س?مي اعتكاف، بمعنى أنه لزم وأطال المكث، وانطبق عليه
الاسم لغةً، يسمى اعتكاف، ومنهم من يجريه على مسمى البقاء والجلوس في المسجد ولو قلّ، وهذا معروف
عند متأخري المذاهب، يقول: إذا دخلت المسجد انوِ الاعتكاف، لو أنت داخل في زمن يسير تنوي الاعتكاف،
لكن هذا ليس باعتكاف لا لغوياً ولا شرعياً، ولذلك تجدون في بعض المساجد عند المدخل لوحة على سارية:
نويت سنة الاعتكاف، هل أنت تريد الاعتكاف بالفعل؟ تريد طول المكث والبقاء في المسجد، أو تريد أن
تصلي وتخرج أو تقرأ شيء يسير من القرآن وتخرج؟ هذا ليس باعتكاف؛ لأن من أهل العلم من يشترط
الصيام، ويأتي ذكره في نذر عمر -رضي الله تعالى عنه-، فالاعتكاف: طول المكث والبقاء في المسجد
للعبادة، والمسجد: ما يصح تسميته مسجد، ويم ّ كن المعتكف من أداء الصلوات مع الجماعة، بحيث لا يتكرر
خروجه؛ لأن تكرار الخروج ينافي الاعتكاف إلا لما لا بد منه، ويصح الاعتكاف في المسجد الذي تقام فيه
الصلوات الخمس، ولو لم يكن جامع، يعني والخروج إلى الجمعة أمره يسير، مرة في الأسبوع لا يؤثر؛ لكن
لو كان مسجد لا تقام فيه الصلوات الخمس، مسجد من مساجد المصالح الحكومية، الدوائر الحكومية، الذي
أسس لإقامة صلاة الظهر فقط، ثم يضطر يخرج إلى صلاة العصر، ثم يضطر يخرج إلى صلاة المغرب، ثم
يضطر إلى العشاء والفجر وهكذا، أو قال: أنا أريد أن أعتكف بمسجد نمرة، مسجد بالإجماع؛ لكن لا يقام فيه
إلا مرة في السنة، نقول: يا أخي هذا لا تقام فيه جماعة، وكثرة خروجك إلى المسجد الذي تقام فيه الجماعة
ينافي مقتضى الاعتكاف، فعليك أن تعتكف في مسجد يصلى فيه الصلوات الخمس، وإن كان جامع فهو أفضل
لئلا تخرج ولا إلى الجمعة؛ لأن الاعتكاف المكث والبقاء، وملازمة المسجد لطاعة الله تعالى؛ لكنهم
يتسامحون في مرة في الأسبوع من أجل الجمعة، أمرها يسير -إن شاء الله تعالى - عن عائشة -رضي الله
عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف في العشر الأواخر حتى توّفاه الله، يعني هذا آخر
ما استقر عليه الأمر، وإلا اعتكف في العشر الأواسط، واعتكف في الأوائل؛ لكن استقر الأمر باعتكافه -عليه
الصلاة والسلام- في العشر الأواخر، حتى توفاه الله تعالى، ثم اعتكف أزواجه من بعده، النساء يشرع في
حقهن الاعتكاف كالرجال، ومن أهل العلم من يرخص للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها الذي تصلي فيه
الصلوات، ويحصل لها ثواب الاعتكاف؛ لأنه بالنسبة لها هو المسجد الشرعي وهو الأفضل في حقها، وتمتثل
قوله -جل وعلا-: {و?َق ? رن? ف?ي ب?ي?وت?كُ ? ن} [(33) سورة الأحزاب] لكن بالنسبة للرجال يعتكف في بيته؟ لا، لا يسمى
هذا اعتكاف.
"ثم اعتكف أزواجه من بعده، وفي لفظ: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعتكف في كل رمضان فإذا
صلى الغداة جاء مكانه الذي اعتكف فيه" يعني متى يبدأ الاعتكاف؟ من أراد أن يعتكف العشر الأواخر تبدأ
العشر الأواخر متى؟ بغروب شمس يوم عشرين، إذا غربت الشمس من يوم عشرين ودخلت ليلة ... ، بدأ
¥