أرأيتم؟ هكذا العلمانيون كم من الدول كانت قائمة، وكم من الدول كان الناس يراها على الإسلام، وتقيم شرع الله -جل وعلا- وفجأة هوت على أيدي العلمانيين؛ لأنهم يتآمرون ويخططون ويكيدون وما يعلم الناس، والناس لا يرون إلا المظاهر، فإذا فجأة بأن الأمور قد تغيرت. وإذا أن الأحوال قد تبدلت، فهم أخطر على أمتهم من خطورة النمل الأبيض هذا الأرضة على مجتمعها.
(لعلي أواصل بعد الآذان إن شاء الله)
بسم الله الرحمن الرحيم، أقول -أيها الإخوة -: هذا هو النوع الثاني من النمل وهو (الأرضة) وما تعمله من إفساد، وما تعمله من تخريب، وكما قلت: إنها أفنت قرى بأكملها، ولا أظن طالب علم إلا وقد مر أو ذاق من هذه الآفة، كم منا من يضع كتاب، كتاب البخاري، صحيح مسلم، أو غيرها من كتب العلم، ويفاجأ بعد فترة إذا أخذها، وإذا الأرضة قد أفسدتها، كم منا من وجد أن الأرضة قد عبثت في بيته بملابسه بغيرها من ممتلكاته، أقول: كما أن الأرضة تعبث هذا العبث بخفية، ولا نعلم إلا إذا وقعت المصيبة والبلية فكذلك يفعل المنافقون والعلمانيون، ظاهرهم النمل اسمه النمل الأبيض، ظاهر هؤلاء ألسنتهم أحلى من العسل، قلوبهم قلوب الذئاب، يفسدون الأمة (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) () لكن حقيقتهم (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) ().
كما أننا نحذر من هذه الأرضة، ونتخذ الاحتياطات في بيوتنا، وفي مكتباتنا، وادخلوا إلى المكتبات المركزية في كثير من المكتبات في بلادنا تجدون أنها قد اتخذت الاحتياطات الكاملة خوفا من هذه الأرضة؛ لأنها مفسدة، فكذلك يجب أن نتخذ الاحتياطات في بلدنا، وفى مجتمعنا من هؤلاء المنافقين، ومن هؤلاء العلمانيين الذين نفاجأ بين فترة وأخرى بآثارهم وأعمالهم، وأنتم تدركون معي هذه الدلالات، ولا أظنه يكابر مكابر، أو يخالف مخالف، لا أظنه يكابر أحد ما يعمله العلمانيون في بلاد المسلمين.
إن من أخطر ما مرت به الأمة الإسلامية -يا أحبتي الكرام- في العصور المتأخرة ليس الخطر الشيوعي على خطورته، ولا أقلل من خطورته، أخطر منه هو ما يعمله المنافقون والعلمانيون، والآن هم الذين يؤثرون في الساحة على كثير من وسائل التوجيه والتعليم والتربية والإعلام في بلاد المسلمين.
فلذلك يجب أن نكون على حذر منهم، وأن نتيقظ لهم أكثر مما نتيقظ لهذه النملة التي تحدثت عنها؛ لأن خطورتهم عامة، وبليتهم مصيبة من المصائب التي لا ينفع معها الندم ..
وبعد، هذه صورة عن النمل، الصورة الأولى التي رأينا فيها هذه النملة التي تحمل هم قومها، ولم تحتقر نفسها، رأينا الصورة التي لم تشتغل بتفسير أعمال القلوب، بل إنها تدافع عن سليمان حتى ذكر العلماء أن من سبب تبسمه -عليه السلام- أنه تبسم ضاحكا لما رأى، وسمع النملة تقول (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) () ولذلك أسباب عدة، رأينا هذا النمل المجتمع المتعاون، رأينا نموذج النمل الصادق، رأينا -أيها الأخوة- النمل المضحي، رأينا النمل الجاد.
وهذه صفة بارزة -أيها الأخوة- يجمع عليها علماء الأحياء قالوا: لا يوجد في علم النمل هذا النوع من النمل نمل خامل أو متكاسل أو فاتر إلا نوع يسير يوجد في شرق آسيا، وهو لا شأن له، ولا قيمة له، أما مجتمع النمل فغالبه، والصفة العامة عليه الجد والصبر والتحمل والتضحية، فأين نحن من هذا الباب؟ إذا أدركك وهن -أيها الحبيب- أو ضعف فالله الله تذكر مخلوقات الله.
ورمضان مقبل على الأبواب. أسأل الله أن يبلغنا رمضان، وأن يعيننا على صيامه، وقيامه، وأن يتقبله منا، لا نقضي رمضان بالنوم -أيها الأخوة-، والأحاديث، والسهر، بل نقضيه بالجد والاجتهاد، فرسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دخلت العشر شد المئزر وأيقظ أهله " () صلى الله عليه وسلم وكل حياته صلى الله عليه وسلم جد ونشاط ودأب، رأينا في مجتمع النمل -كما قلت لكم- أنه مجتمع مسبح، يسبح بحمد الله -جل وعلا-، يذكر الله -جل وعلا- (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) () هذه الصفات التي أشرت إليها، وقلت لكم: هي على سبيل الاختصار، وإلا لو أطلت لكان فيه مزيد من الإيضاح، والبيان.
التعاون يا أحبتي الكرام، يا شباب الإسلام، يا طلاب العلم، يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعداؤنا مجتمعون علينا، العلمانيون والمنافقون على ما بينهم من خلاف هم مجتمعون على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ومجتمعون على أهل هذا البلد بصفة خاصة؛ لأنهم يعلمون أنهم إذا قضوا على هذه البلاد استطاعوا أن يحققوا كثيرا من مآربهم، لا أراهم الله ما يحبون.
وأسأل الله أن يجعل تآمرهم تدميرا عليهم فأقول: لنتعاون -أيها الإخوة- كفى فرقة واختلافا، وإذا تفرقت قلوبنا، فماذا بعد ذلك أيها الأحباب؟ (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) () (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) () (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ) ().
فيا أحبابي الكرام: الله الله لنأخذ العبرة والعظة من هذه الدروس التي بينتها، وأشرت إليها، فقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب، أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن تكون الحكمة هي رائدنا أنى وجدناها فنحن أحق بها، وأن نجعل هذا الكلام حجة لنا لا حجة علينا، وبارك الله فيكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
¥