ويقول عن أخيه عمير رضي الله عنه: " رأيت أخي عميرَ بنَ أبي وقّاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدراً يتوارى، فقلت: مالك يأخي؟ قال: إنّي أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردّني، وأنا أحب الخروج لعلّ الله يرزقني الشّهادة ".
قال: فعُرِض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستصغره فردّه، فبكى، فأجازه، فكان سعد رضي الله عنه يقول: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره، فقتل وهو ابن ستّ عشرة سنة ".
وانظر إلى عمير بن الحمام رضي الله عنه كان في السّادسة عشرة من عمره، حين استشهد في بدر، روى مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ)) قَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ! جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ؟! قَالَ: ((نَعَمْ)) قَالَ: بَخٍ بَخٍ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟)) قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِلَّا رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا. قَالَ: ((فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا)) فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ. قَالَ فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ رضي الله عنه ..
يا حبّذا الجنّة واقترابها طيّبة وبارد شرابها
والرّوم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها
ولم يقف الحد عند مشاركتهم في الغزو فحسب، بل صار الأمر بهم أن يكونوا رؤساء في البعوث والسرايا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فكان:
عكاشة بن محصن أميراً على أربعين رجلاً في سريّة إلى الغمر.
وزيد بن حارثة أميراً على سريّة غزوة ذات السّلاسل.
وأمّا أسامة بن زيد رضي الله عنه فكان من القادة الأفذاذ، فعلى صغر سنّه تولّى قيادة جيش فيه من يفوقه علماً وعمراً.
يا شباب أتدرون من قتل فرعون هذه الأمّة أبا جهل لعنه الله .. ؟ لقد قُتِل على يد غلامين من الأنصار.
• وهذا عقبة بن نافع أحد قادة بني أميّة يقف رحمه الله تعالى في أقصى المغرب بعد أن خاض بجواده بحر الظّلمات المسمّى بالمحيط الأطلسيّ، يقف قائلا: " اللّهمّ ربّ محمّد صلى الله عليه وسلم لولا هذا البحر لفتحت الدّنيا في سبيل إعلاء كلمتك، اللَّهُمَّ فاشْهَدْ ".
• وهذا قتيبة بن مسلم الباهليّ الّذي توغّل في آخر المشرق وأبى إلاّ أن يدخل بلاد الصّين، فقال له أحد أتباعه محذّراً مشفقاً: لقد أوغلت في بلاد التّرك يا قتيبة والحوادث بين أجنحة الدّهر تقبل وتدبر، فأجابه قتيبة بقوله الخالد: بثقتي بنصر الله توغّلت، وإذا انقضت المدّة، لم تنفع العُدّة.
فلمّا رأى ذلك المحذّر عزمَه وتصميمَه على المضيّ قال له: اسلك سبيلك يا قتيبة! فهذا عزم لا يفلّه إلا الله.
• وتذكر يا شباب الإسلام ما فعله محمد بن القاسم الثقفي ابن السابعة عشرة من العمر الذي فتح بلاد الهند والسند.
ملكنا هذه الدّنيا قرونا وأخضعها جدود خالدونا
وسطّرنا صحائف من ضياء فما نسِي الزّمان ولا نسينا
بنَيْنَا حِقبةً في الأرض ملكا يدعّمه شباب طامحونا
شباب ذلّلوا سبل المعالي وما عرفوا سوى الإسلام دينا
تعهّدهم فأنبتهم نباتا كريما طاب في الدّنيا غصونا
شبابٌ لم تحطّمه اللّيالي ولم يُسلم إلى الخصم العرينا
وإن جنّ الظّلام فلا تراهم من الإشفاق إلاّ ساجدينا
كذلك أخرج الإسلام قومي شبابا مخلصا حرّا أمينا
وما فتِئ الزّمان يدور حتّى مضى بالمجد قوم آخرونا
وأصبح لا يُرى في الرّكب قومي وقد عاشوا أئمّته سنينا
وآلمني وآلم كلّ حرّ سؤال الدّهر: أين المسلمونا؟
تُرى هل يرجع الماضي فإنّي أذوب لذلك الماضي حنينا
دعُوني من أمانٍ كاذبات فلم أجد المنى إلاّ ظنونا
يا شباب: مازلت متفائلاً وسأظل متفائلاً مهما عظم كيد الأعداء، فالجبار جل جلاله يقول: «بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ» ..
وقال تعالى: «وَمَا كَيْدُ الْكَاِفرِينَ إِلاَّ فِى ضَلَالٍ» [غافر:25].
نعم من آلامنا تبزغ آمالنا، والرجال تصنعهم المحن، والوليد يسبقه ألم المخاض.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرّحيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.