فَشَمِّرْ عن ساعد الجِدِّ، وأدركْ فقد سبق المشمرون قبلك، ولا تكن في هذه الأمور ذيلاً بل كن رأسًا، والله يوفقني وإياك لكما يحب ويرضى.
ولو رتَّب المسلم لنفسه برنامج قراءة للقرآن كل ليلة؛ لارتبط بعبودية لله، ولم يكن في لَيلِهِ من الغافلين، لا جعلني الله وإياك منهم.
ومما قد يغيب عن أذهاننا في أيامنا هذه: أيامِ الإضاءةِ الليلية التي قلبت الليل إلى نهار، فانقلبت بذلك فطرة الله التي فطر الناس عليها بجعله الليل لهم سباتًا يرتاحون فيه، أقول إنه قد يغيب عنا لذة العبادة في الظلمة، لذا لو جرَّب المسلم قراءة القرآن من حفظِه أو الصلاة النافلة الليلية بلا إضاءة، فإن في ذلك جمعًا لهمِّه، وتركيزًا لنفسه؛ لأن البصر يُشغِل المرء في قراءته أو صلاته.
ومن جرَّب العبادة في الظلمة وجدَ لذة تفوق عبادته وهو تحت إضاءة الكهرباء.
الأمر الخامس:
إن من فوائد صلاة التراويح في رمضان سماع القرءان من القراء المتقنين، ومن أصحاب الأصوات النَّدية، الذين يقرؤون القرآن ويؤثِّرون بقراءتهم على القلوب، فتراك تجد بقراءتهم أثرًا في قلبك، فاحرص على من يتَّصف بهذه الأوصاف، واعلم أن الناس في قبول الأصوات ذوو أذواق، فلا تَعِبْ قارئًا لأنه لا يُعجِبك؛ فإن ذلك من الغيبة بمكان، لكن احرص على من تنتفع بقراءته، وهذا مطلب يُحرصُ عليه، ومقصد يُتوجَّه إليه.
وهاهنا استطرادٌ من باب الفائدة والتذكير أُوَجِّهُه إلى الكرام أئمة الصلوات الذين يؤمون الناس في التراويح الذين منَّ الله عليهم بما أعطاهم من الحفظ وحسن الصوت والقدرة على الأداء المتميِّز في القراءة والتأثير على الناس، أقول لهم: احرصوا على أن يكون تأثيركم على الناس في سماعهم لكم قراءةَ كلام ربكم، وإياكم أن يكون تأثيركم عليهم في دعاء القنوت فقط، فإنَّ في ذلك خللاً كبيرًا، وأنتم حين تعمدون إلى ذلك تغرسون في الناس ذلك الخلل؛ إذ كيف يكون تأثرُ الناس بكلام الناس، ولا يكون تأثرهم بكلام ربِّ الناس، سبحان الله! أليس ذلك أمر عجيب يحتاج إلى مدارسة وحلِّ له؟
ألستم تلاحظون الاستعداد النفسي لبعض الأئمة ولكثير من المصلين للقنوت أكثر من استعدادهم لسماع كلام ربهم؟!
ألا تلاحظون أنَّ بعض الأئمة يغيِّرون طبقات صوتهم، ويُلحِّنون في قنوتهم استجلابًا لقلوب المأمومين، ودعوة لهم إلى البكاء والخشوع؟!
أين ذلك كله حال قراءة كلام الله سبحانه، أين ذلك حال سماع كلام الله سبحانه؟
ذلك ما تُسكب له العبرات، وتخشع له النفوس الصالحات، وتَخِفُّ به الأرواح الطاهرات، فاحرص على الخشوع والتأثر بكلام ربك الذي تكَّلم به فوق سبع سموات، وسمعه منه جبريل رسول ربِّ البريَّات، وأداه كما سمعه لخير الكائنات محمد صلى الله عليه وسلم. وهاأنت تسمع من إمامِك ما تكلَّم الله به في عليائه، أفلا يكون ذلك كافيًا في حضور القلوب، واقشعرار الجلود ثمَّ ليونتها بعد ذلك، وطمأنينة النفوس؟!
إنه كلام الله، إنه كلام الله، فأدرك معنى هذه الكلمة أيها المسلم.
الأمر السادس:
يسأل كثيرون عن كيفية التأثر بالقرآن، ولماذا لا نخشع في صلواتنا حين سماع كلام ربِّنا؟
ولا شكَّ أن ذلك عائدٌ لأمور من أبرزها أوزارنا وذنوبنا التي نحملها على ظهورنا، لكن مع ذلك فلا بدَّ من وجود قدرٍ من التأثر بالقرآن، ولو كان يسيرًا، فهل من طريق إلى ذلك؟
إنَّ البعد عن المعاصي، وإصلاح القلب، وتحليته بالطاعات هو السبيل الجملي للتأثر بهذا القرآن، وعلى قدر ما يكون من الإصلاح يبرز التأثُّر بالقرآن.
والتأثر بالقرآن حال تلاوته يكون لأسباب متعددة، فقد يكون حال الشخص في ذلك الوقت مهيَّئًا، وقلبه مستعدًا لتلقي فيوض الربِّ سبحانه وتعالى.
فمن بكَّر للصلاة، وصلى ما شاء الله، ثمَّ ذكر الله، وقرأ كتاب ربِّه، ثمَّ استمع إلى الذكر فإنَّ قلبه يتعلق بكلام الله أكثر من رجلٍ جاء متأخِّرًا مسرعًا خشية أن تفوته الصلاة، فأنَّى له أن تهدأ نفسه ويسكن قلبه حتى يدرك كلام ربِّه، ويستشعر معانيه؟!
ومن قرأ تفسير الآيات التي سيتلوها الإمام واستحضر معانيها، فإنَّ تأثره سيكون أقرب ممن لا يعرف معانيها.
¥