من الاعتقادات والأخطاء الشائعة تحديد قراءة سور وآيات من كتاب الله عز وجل في أوقات محدده، كقراءة سورة ياسين صباحا، وسورة الرحمن مساء، مع أن النص لم يرد بذلك أصلا، وبعض النصوص الواردة ضعيفة لا يعول عليها ولا يعتد بها، خاصة ما يتعلق بقراءة سورة يس، وقد ثبت النص بقراءة سور معينة في أوقات محددة، كقراءة سورة تبارك قبل النوم وأنها منجية من عذاب القبر، وكذلك قراءة (سورة الكافرون) والنوم على خاتمتها، وفعل ذلك يقينا يفضي للبراءة من الشرك، وقس على ذلك الكثير مما ثبت في السنة المطهرة 0
وأضرب مثلا على ذلك حيث يقول الأخ أبو الفداء محمد عزت: (يشرب على الريق يوميا فنجان عسل، وفي المساء تقرأ سورة الجن على كوب ماء ساخن محلى بعسل ويشرب وبعد ذلك ينام المريض ويستمر على ذلك لمدة أسبوع، ولسوف ينتهي منه الصرع بقوة الله تماما) (معجزات الشقاء - ص 32) 0
قلت: ومثل هذا الكلام فيه تخصيص دون مخصص - والمخصص هو المشرع - ونقل ذلك وزرعه بين عامة الناس يورث اعتقادا لديهم في قراءة سورة الجن، وأن لها تأثيرا ومزايا تفوق غيرها من سور القرآن العظيمة، ومثل هذا الاعتقاد سوف يؤدي حتما إلى اعتقادات أخرى تؤدي بمجملها للوقوع في المحظور، ومن هنا كان لا بد من الالتزام بالأسس والقواعد الشرعية المتعلقة في الرقية لنظهر هذا العلم وفق الأصول التي نصت عليها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، لننأى بالرقية الشرعية عن كافة الشوائب والرواسب التي الصقت بها نتيجة الممارسات الخاطئة من بعض الجهلة ومدعي الرقية وممن لا خلاق لهم 0
ولا بأس أن يشار لقراءة بعض السور المحددة دون تعيين زمان ومكان لذلك الفعل، إما بسبب ثبوت الرقية بتلك السور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لما يحتويه البعض الآخر من ترغيب وترهيب وترقيق للقلوب ونحو ذلك من معاني القرآن العظيمة، كما هو الحال بالنسبة لسور الفاتحة، البقرة، الإسراء، طه، يس، الصافات، الدخان، الرحمن، الواقعة، الحديد، الملك، الجن، الإخلاص، والمعوذتين، وغيرها من سور القرآن العظيمة 0
قال الدكتور علي بن نفيع العلياني – تحت عنوان هل الرقى توقيفية؟؟؟
(لا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، علم أمته كثيرا من الرقى النافعة، من القرآن الكريم، ومن الأدعية، وذكر أعدادا وهيئات وصفات في الرقية والراقي، وزمان الرقية وما كان هذا شأنه فلا يجوز الزيادة عليه ولا النقص منه، ولا ذكر وقت لم يقله الرسول صلى الله عليه وسلم فما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يقرأ سبع مرات لا يجوز أن نجعلها ثلاث عشرة أو نحو ذلك وما قال يقال في أول الليل مثلا أو إذا أوى الإنسان إلى فراشه، لا يجوز أن نجعله في الظهيرة أو بعد صلاة العصر، لأن الزيادة أو النقص في هذا الأمر استدراك على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو لا ينطق عن الهوى، بأبي هو وأمي) (الرقى على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة - ص 47) 0
3 - تخصيص قراءة سور أو آيات معينة للشفاء من أمراض محددة:
وقد وصل الأمر ببعض المعالجين بادعاء قراءة بعض الآيات النافعة لشفاء مرض محدد بذاته كالسرطان ونحوه، وتحديد هذه السور والآيات بعينها، وأن السورة كذا نافعة لعلاج السرطان، والآية كذا نافعة ومقوية للجماع، وقس على ذلك كثير من التأويلات التي لم تصب الحق وخالفت الصواب، وأقل ما يقال في ذلك، بأنه تخصيص بلا مخصص، وفعل مبتدع يجب ردع صاحبه وتعريفه بالحق وأهله، وقد يتذرع البعض بفعل الصحابي الذي رقى سيد القوم من لدغة العقرب بفاتحة الكتاب، فكأنما نشط من عقال، وللإجابة على ذلك نقول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر ذلك الصحابي على فعله وقال له: (وما يدريك أنها رقية) فأصبحت الرقية بفاتحة الكتاب مصدر تشريعي ثابت لا يستطيع أحد أن يقدح فيه، أو أن يتحدث عنه، وقد تكلم أهل العلم بكلام مطول في فاتحة الكتاب وفضائلها، ومنهم العلامة ابن القيم – رحمه الله – فقال بأنها الشافية المعافية، وهذا بحد ذاته دليل واقرار لفضل هذه السورة والرقية والاستشفاء بها، أما ادعاء علاج مرض بعينه بسورة أو بآية فلا يجوز لكائن من كان أن يدعي ذلك دون توفر الدليل والحجة والبرهان، والحجة بيننا وبين هؤلاء الكتاب والسنة وأقوال علماء الأمة 0
يقول الأستاذ سعيد عبد العظيم: (وبعض من يعالج أيضاً يذكر آيات وسور تقرأ بعدد محدد لأمراض معينة مثل: السرطان والروماتيزم والأمراض الجلدية وأمراض الصدر فمن أين أتى بهذا التحديد، وهل قرأ هذا التوصيف في كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟) (الرقية النافعة للأمراض الشائعة – ص 24) 0
وخلاصة البحث بخصوص السائل الكريم: أن الأولى القراءة دون تخصيص أعداد إلا ما جاء الشارع يؤكده، أو أن تكون القراءة بنية الوتر، والله تعالى أعلم 0
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0
¥