إياك واحتقار النفس والحكم عليها مسبقًا بالفشل، فأنت تملك قدرات عظيمة، لكنّ سوّاف الزمن وأحاديث الغفلة قد أخفتها، فاجتهد واعلم أن كثرة تحريك الماء تزيد في النقاء، وأن الذاكرة تولد مع المذاكرة، ودواء النسيان مداومة النظر في الكتب، جاء عن أبي هلال العسكري رحمه الله أنه قال: "كان الحفظ يتعذر عليّ حين ابتدأت أطلبه، ثم عوّدت نفسي إلى أن حفظت قصيدة رؤبة في ليلة، وهي قريب من مائتي بيت"، وقال أيضًا: "حكي لي عن بعض المشايخ أنه قال: رأيت في بعض قرى النّبط فتى فصيح اللهجة حسن البيان، فسألته عن سبب فصاحته مع لُكْنَة أهل جلدته فقال: كنت أعمد في كل يوم إلى خمسين ورقة من كتب الجاحظ، فأرفع بها صوتي في قراءتها، فما مرّ بي إلا زمان قصير حتى صرت إلى ما ترى"، فبادرْ ولا تيأسْ، وداوم قرع الباب، فعن قريب يفتح، والزم المحبرة إلى المقبرة.
اعلم أن الظروف لا تتهيأ لأحد، واليوم أنت أهيأ منك غدًا، فبادِر قبل أن تبادَر، وإياك والتسويف فإنه من جنود إبليس، والمنى رأس أموال المفاليس. التسويف أنشودة الفاشلين وشعار الجاهلية ونغمة الكسالى وعذر البطالين، وَلَوْ أَرَادُواْ ?لْخُرُوجَ لاعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـ?كِن كَرِهَ ?للَّهُ ?نبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ [التوبة:46].
إذا كان يؤذيك حر الصيف ويبس الخريف وبرد الشتاء
ويلهيك حسن زمان الربيع فأخذك للعلم قل لي: متى؟!
فمن مكانك حدّد، ومن أوانك قرّر، وخذ المحبرة إلى المقبرة.
اعلم أن تحصيل العلم لا بدّ له من هجر اللذات وبذل الوسع وصدق الطلب وصحة النية، فالمكارم منوطة بالمكاره، والسعادة لا يُعبر إليها إلا على جسر المشقة، ولا ينال العلم براحة الجسم.
لولا المشقة ساد الناس كلهم الجودُ يفقر والإقدام قتّال
قال إبراهيم الحربي رحمه الله: "أجمع عقلاء كلّ أمة أن النعيم لا يدرك بالنعيم، ومن آثر الراحة فاتته الراحة". فألزم نفسك الجادة، واصبر على المشقة، ومع المحبرة إلى المقبرة.
لا تستنكف من طلب العلم على غير المرموقين، أو أن تستفيد من غير المشهورين، فهذا نوع غرور وتكبر، والعلم لا يناله مستحٍ ولا متكبر، يقول الغزالي رحمه الله: "فالاستنكاف عن الاستفادة إلا من المرموقين المشهورين هو عين الحماقة، فإن العلم سبب النجاة والسعادة، ومن يطلب مهربًا من سبعٍ ضارٍ يفترسه لم يفرّق بين أن يرشده إلى الهرب مشهور أو خامل، وقد روي: الحكمة ضالة، المؤمن حيثما وجدها فليجمعها إليه" اهـ.
ثم بعد هذا العرض والاستحثاث فإن أمامنا إجازةً كبيرة، فيها ما يزيد عن مائة يوم، لو رتب الواحد نفسه لربما حفظ من القرآن جزءًا ليس باليسير، أو أتم شيئًا من المتون العلمية، والعاقل لا يعدم الحيلة، والمطلوب هو قضاء الإجازة بما يفيد علمًا أو دعوة، أو حتى فيما يعود عليه بالنفع في دنياه، وأن لا تذهب عليه الأيام دون فائدة، فإن الفراغ رأس كل بلاء، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إني أكره أن أرى الرجل سبهللاً ليس في أمر دينه ولا دنياه).
وإن على الآباء أن يرعوا مسؤوليتهم تجاه أولادهم، وأن يأخذوا كل سبب من أجل قضاء أوقات أولادهم بما ينفع، وها هي حلق التحفيظ والدروس والدورات العلمية والمراكز الصيفية قد فتحت أبوابها تنادي طلابها. وحين تعوز الأب الوسيلة فلا يقعد مكتوف اليدين، بل عليه أن يستعين بأهل الخبرة، فما ندم من استشار.
ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا ?لنَّاسُ وَ?لْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ?للَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].
.................
نسأل الله أن يغفر له ولمن معه وجميع موتانا من المسلمين وأن يرزقهم الفردوس الاعلى من الجنة
.
ـ[أبو الحسن الأثري]ــــــــ[16 - 09 - 08, 02:44 ص]ـ
إنا لله وإنا إليه راجعون.
لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عندده بأجل مسمى.
اللهم اغفر لعبدك / إبراهيم الدحيم ... وارفع درجته في المهديين , واخلفه في عقبه في الغابرين , واغفر لنا وله يا رب العالمين , وافسح له في قبره , ونور له فيه.
أسأل الله تعالى أن يرحمه رحمة واسعة، و أن ينزله منازل الأبرار، وأن يجزيه عن بذله، وتعليمه، ونصحه، وكتاباته، ونصيحته لله و لرسوله، و لدين الإسلام خير الجزاء، و أن يخلف على أهل الإسلام خيرا منه.
وأسأله تعالى أن يرحم من كان معه، ويشفي مصابهم، وجميع مرضى المسلمين.
اللهم آمين
ـ[أبو المقداد]ــــــــ[16 - 09 - 08, 04:41 ص]ـ
رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته.
ـ[حلية الأولياء]ــــــــ[16 - 09 - 08, 06:38 ص]ـ
من متلقى أهل التفسير نقلاً عن صاحبه ورفيق دربه وزميله في الطفولة الشيخ الدكتور عمر المقبل:
هل كان الشيخ أبو حذيفة ـ رحمه الله ـ يُحسُّ بدنو أجله؟!
الله أكبر ..
هذا المقال كأنه يقول: نعم!
http://www.almoslim.net/node/99299
وينظر:
http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=12949
¥