تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وروي أن عمر - رضي الله عنه - أخذ أربعمائة دينار، فقال لغلام له: أذهب بها إلى أبي عبيدة، ثم تله ساعة في البيت حتى تنظر ما يصنع، قَالَ: فذهب بها الغلام، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: خذ هذه، فقال: وصله الله ورحمه، ثم قَالَ: تعالي يا جارية! اذهبي بهذه السَّبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، حتى أنفذها، فرجع الغلام إلى عمر وأخبره فوجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل؛ فأرسله بها إليه، فقال معاذ: وصله الله، يا جارية! اذهبي إلى بيت فلان بكذا، ولبيت فلان بكذا، فاطلعت امرأة معاذ، فقالت: ونحن والله مساكين فأعطنا، ولم يبق في الخرقة إلا ديناران، فدحا بهما إليها، ورجع الغلام فأخبر عمر فسر بذلك، وقال: إنهم إخوة بعضهم من بعض.

وهذه القصة تبين فطنة عمر في اختباره لحال الأمراء والعلماء، فبهم صلاح الأمة إن صلحوا، وفسادها إن فسدوا.

أبو موسى الأشعري:

كان - رحمه الله - بالقرآن مترنما وقائما، وفي طول الأيام طاويًا وصائمًا، صاحب القراءة والمزمار.

عن أبي سلمة: كان عمر إذا جلس عنده أبو موسى، ربما قَالَ لَهُ ذَكِّرنا يا أبا موسى، فيقرأ.

عن أبي إدريس عائذ الله قَالَ: صَامَ أبو موسى الأشعري حتى عاد كأنه خلال، فقيل له: يا أبا موسى لو أجممت نفسك، قَالَ: إجمامها أريد، أني رأيت السّابق من الخيل المضمر، وربما خرج من منزله فيقول لامرأته شُدِّي رحلك، ليس على جهنم معبر.

وكان - رحمه الله - شجاعًا بطلًا مغوارًا لا يخشى بأسًا ولا يعبأ بعدو.

عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا فَرَغَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ حُنَيْنٍ، بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ، فَقُتِلَ دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ، قَالَ أَبُو مُوسَى: وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ جُشَمِيٌّ بِسَهْمٍ فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا عَمِّ مَنْ رَمَاكَ؟ فَأَشَارَ إِلَىَّ، فَقَالَ: ذَاكَ قَاتِلِي الَّذِي رَمَانِي فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ، فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى فَاتَّبَعْتُهُ، وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ: أَلَا تَسْتَحْيِي؟ أَلَا تَثْبُتُ؟ فَكَفَّ، فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ لِأَبِي عَامِرٍ: قَتَلَ اللَّهُ صَاحِبَكَ قَالَ: فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! أَقْرِئْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: اسْتَغْفِرْ لِي. وَاسْتَخْلَفَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاس، فَمَكُثَ يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ، فَرَجَعْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِهِ عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ؛ قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِهِ وَجَنْبَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ، وَقَالَ: قُلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ لِي، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ، وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ من خَلْقِكَ من النَّاس، فَقُلْتُ: وَلِي فَاسْتَغْفِرْ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا.

واجتهد الأشعري قبل موته اجتهادًا شديدًا، فقيل له لو أمسكت! ورفقت بنفسك بعض الرفق، قَالَ: إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها، أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجلي أقل من ذلك، فلم يزل على ذلك حتى مات.

قَالَ الذَّهبي: وكان أبو موسى صوَّامًا قوَّامًا، ربانيًا زاهدًا عابدًا، ممن جمع العِلْمَ والعمل والجهاد، وسلامة الصَّدر، لم تُغيره الإمارة ولا اغتر بالدُّنيا.

بين معاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير