وقد صدق ابن القيم حيث قال: (وقد جرت عادة الله التي لا تتبدل وسنته التي لا تتحول أن يُلبس المخلص من المهابة والنور والمحبة في قلوب الخلق وإقبال قلوبهم إليه ما هو بحسب إخلاصه ونيته ومعاملته لربه ويُلبس المرائي ثوبي الزور من المقت والمهانة والبغض وما هو اللائق به ...
1 - كان عبد الرحمن بن أبي ليلى يصلي في بيته فإذا شَعَرَ بأحدٍ قطع صلاة النافلة ونام على فراشه – كأنه نائم – فيدخل عليه الداخل ويقول: هذا لا يفتر من النوم؟! غالب وقته على فراشه نائم؟! وما علموا أنه يصلي ويخفي ذلك عليهم.
2 - وجاء رجل يقال له حمزة بن دهقان لبشر الحافي العابد الزاهد المعروف، فقال أحب أن أخلوا معك يوماً، فقال: لا بأس تُحدد يوماً لذلك، يقول فدخلت عليه يوماً دون أن يشعر فرأيته قد دخل قبة فصلى فيها أربع ركعات لا أحسن أن أصلي مثلها فسمعته يقول في سجوده " اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الذل – يقصد بالذل عدم الشهرة - أحب إلي من الشرف .. اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الفقر أحب إليَّ من الغنى .. اللهم إنك تعلم فوق عرشك أني لا أُوثر على حبك شيئاً " يقول فلما سمعته أخذني الشهيق والبكاء، فقال: " اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن هذا هنا لم أتكلم ".
3 - قال الأعمش: كنت عند إبراهيم النخعي وهو يقرأ في المصحف، فاستأذن عليه رجل فغطّى المصحف وقال: لا يراني هذا أنِّي أقرأ فيه كل ساعة.
4 - وللإمام الماوردي قصة في الإخلاص في تصنيف الكتب، فقد ألف المؤلفات في التفسير والفقه وغير ذلك ولم يظهر شيء في حياته, ولما دنت وفاته قال لشخص يثق به: الكتب التي في المكان الفلاني كلها تصنيفي وإنما إذا عاينت الموت ووقعت في النزع فاجعل يدك في يدي فإن قبضت عليها فاعلم أنه لم يقبل مني شيء فاعمد إليها وألقها في دجلة بالليل وإذا بسطت يدي فاعلم أنها قبلت مني وأني ظفرت بما أرجوه من النية الخالصة، فلما حضرته الوفاة بسط يده، فأظهرت كتبه بعد ذلك.
5 - وهذا عبد الواحد بن زيد يخبرنا بحديثٍ عجيبٍ حصل لأيوب وقد عاهده ألاَّ يخبر إلا أن يموت أيوب، قال عبدالواحد: كنت مع أيوب فعطشنا عطشاً شديداً حتى كدنا نهلك، فقال أيوب: تستر علي؟ قلت: نعم إلا أن تموت، قال: عبد الواحد فغمز أيوب برجله على حِراءٍ فتفجَّر منه الماء فشربت حتى رويت وحملت معي.
كانت بينهم وبين الله أسرار لو أقسم منهم على الله أحد لأبرَّه لإخلاصهم وصدقهم مع الله تبارك وتعالى.
6 - وهذا أبو الحسن محمد بن أسلم الطوسي يقول عنه خادمه أبو عبد الله، كان محمد يدخل بيتاً ويُغلق بابه، ويدخل معه كوزاً من ماء، فلم أدر ما يصنع، حتى سمعتُ ابناً صغيراً له يبكي بكاءه، فَنهتهَ أمُهُ، فقلتُ لها: ما هذا البكاء؟ فقالت إن أبا الحسن يدخل هذا البيت، فيقرأ القرآن ويبكي، فيسمعه الصبي فيحكيه، فإذا أراد أن يخرج غسل وجهه؛ فلا يُرى عليه أثر البكاء.
7 - ودخل عبد الله بن محيريز دكاناً يريد أن يشتري ثوباً، فقال رجل قد عَرَفَه لصاحب المحل: هذا ابن محيريز فأحسِن بيعه، فغضب ابن محيريز وطرح الثوب وقال " إنما نشتري بأموالنا، لسنا نشتري بديننا ".
8 - وقال ابن عيينة: كان من دعاء المطرِّف بن عبد الله: " اللهم إني أستغفرك مما زعمت أني أريد به وجهك، فخالط قلبي منه ما قد علمت ".
9 - وكان رحمه الله إذا حدَّث بحديث النبي صلى الله عليه وسلم يشتدُّ عليه البكاء وهو في حلقته، فكان يشدُّ العمامة على عينه ويقول: ما أشدَّ الزكام .. ما أشدَّ الزكام ..
10 - روى صاحب طبقات الحنابلة: أن عبد الغني المقدسي المحدث الشهير, كان مسجوناً في بيت المقدس في فلسطين, فقام من الليل صادقاً مع الله مخلصاً, فأخذ يصلي, ومعه في السجن قوم من اليهود والنصارى, فأخذ يبكي حتى الصباح, فلما أصبح الصباح ورأى أولئك النفر هذا الصادق العابد المخلص, ذهبوا إلى السجان, وقالوا: أطلقنا فإنا قد أسلمنا, ودخلنا في دين هذا الرجل, قال: ولِمَ؟ أدعاكم للإسلام؟ قالوا: ما دعانا للإسلام, ولكن بتنا معه في ليلة ذكرنا بيوم القيامة .. !
11 - رأى ابن عمر رجلاً يُصلي ويُتابع فقال له: ما هذا؟ قال: إني لم أصل البارحة، فقال ابن عمر: أتريد أن تخبرني الآن! إنما هما ركعتان.
¥