عن جويرية بن أسماء قَالَ: قَالَ عُمَرُ: إِنَّ نَفْسِي هَذَه تَوّاقة، لم تعط من الدنيا شيئًا إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه، فلمّا أُعطيت الخلافة التي لا شيء أفضل منها، تاقت إلى ما هو أفضل منها!! أي - الجنة أفضل من الخلافة.
وكان - رحمه الله - قد اجتهد بالعبادة حتى أصبح لا يُغالَب عليها.
قَالَ مَنْصُور أبو أمية خادم عمر بن عبد العزيز: رأيت عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - وله سَفْط في كوة، مفتاحه في إزاره، فكان يتغفلني، فإذا نظر إلي قد نمت؛ فتح السَّفط فأخرج منه جبية شعر ورداء شعر؛ فصلى فيهما الليل كُلَّه، فإذا نودي بالصبح نزعهما.
وقالت فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز: أنها دخلت عليه فإذا هو في مُصَلّاه يده على خده سائلة دموعه: فقالت: يا أمير المؤمنين أشيء حدث؟! قَالَ: يا فاطمة إني تقلَّدت أمر أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فتفكرت في الفقير الجائع والمريض الضَّائع، والعاري المجهود، والمظلوم المقهور، والغريب المأسور، والكبير، وذي العيال في أقطار الأرض، فعلمت أن ربي سيسألني عنهم، وأن خصمهم دونهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، فخشيت ألا تثبت لي حجة عند خصومته! فرحمت نفسي؛ فبكيت.
وكان - رحمه الله - عفيف النَّفس، أجهد نفسه وضيَّق عليها؛ حتى كان حاله كحال أي رجلٍ من عامة المسلمين.
عن أبي عثمان الثقفي قَالَ: كان لعمر بن عبد العزيز غلام يعمل على بغل له يأتيه بدرهم كُلَّ يومٍ، فجاءه يومًا بدرهم ونصف، فقال: ما بدالك؟ فقال: نفقت السُّوق، قَالَ: لا ولكنك أتعبت البغل، أرحه ثلاثة أيام.
صلَّى عمر بن عبد العزيز بالنَّاسِ الجمعة؛ ثم جلس وعليه قميص مرقوع الجيب من بين يديه ومن خلفه، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين إِنَّ الله قد أعطاك؛ فلو لبست، فقال: أفضل القصد عند الجدة، وأفضل العفو عند المقدرة.
وعن عمرو بن مهاجر قَالَ: اشْتَهَى عمر تفاحًا، فقال: لو أن عندنا شيئا من تفاح، فإنه طيب، فقام رجل من أهله فأهدى إليه تفاحًا، فلمّا جاء به الرَّسول، قَالَ: ما أطيبه وأطيب ريحه وأحسنه، ارفع يا غلام واقرأ على فلان السَّلام، وقل له: إن هديتك قد وقعت عندنا بحيث تحب، قَالَ عمرو بن مهاجر: فقلت له يا أمير المؤمنين: ابن عمك رجل من أهل بيتك، وقد بلغك أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، قَالَ: إِنَّ الهدية كانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - هدية، وهي لنا رِشْوَة.
وكان - رحمه الله - متواضعًا لم تغيره الخلافة، بل زادته حسنًا، ودينًا، وتواضعًا.
فعن رجاء بن حيوة قَالَ: سمرت ليلة عند عمر بن عبد العزيز فاعتل السِّراج، فذهبت أقوم أصلحه؛ فأمرني عمر بالجلوس ثم قام فأصلحه ثم عاد فجلس، فقال: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز، وجلست وأنا عمر بن عبد العزيز، ولؤمٌ بالرجل إن استخدم ضَيْفَه.
ومن حلمه وسعة صدرة ملاطفته لشاعر يقول الرفث.
فقد أتى فتيان إلى عمر بن عبد العزيز وقالوا: إن أبانا توفي وترك مالا عند عمنا حميد الأمجي، فأحضره عمر فلمّا دخل قَالَ أنت القائل:
شَرِبْتُ الْمُدَامَ فَلَمْ أُقْلِعْ ... وَعُوتِبْتُ فِيهَا فَلَمْ أَسْمَعْ
حُمَيْدُ الَّذِي أَمَجٌ دَارُهُ ... أَخُو الْخَمْرِ ذُو الشَّيْبَةِ الأَصْلَع
أَتَاهُ الْمَشِيبُ عَلَى شُرْبِهَا ... وَكَانَ كَرِيمًا فَلَمْ يَنْزَع
قَالَ: نعم، قَالَ: ما أراني إلا سوف أَحدُّك، إنك أقررت بشرب الخمر، وأنك لم تنزع عنها، قَالَ: إيهات! أين يُذهب بك؟ ألم تسمع الله يقول: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ (226)} [سورة الشعراء: 224 - 226] فقال: أولى لك يا حميد! ما أراك إلا قد أفلت، ويحك يا حميد كان أبوك رجلًا صالحا، وأنت رجل سوء، قَالَ: أصلحك الله وأينا يشبه أباه، كان أبوك رجل سوء، وأنت رجل صالح، قَالَ: إن هؤلاء زعموا أن أباهم توفي وترك مالا عندك، قَالَ: صدقوا وأحضره بختم أبيهم، وقال: أنفقت عليهم من مالي، وهذا مالهم، قَالَ: ما أحد أحق أن يكون هذا عنده منك، فقال: أيعود إلي وقد خرج مني؟!.
¥