عن داود بن إبراهيم، أن الأسد حبس النَّاس ليلة في طريق الحج، فدق النَّاس بعضهم بعضًا، فلمّا كان في السّحر ذهب عنهم؛ فنزل النَّاس يمينًا وشمالا، وألقى النَّاسُ أنفسهم فناموا، وقام طاووس يُصلِّي، فقال رجل لطاووس: ألا تنام فإنك نصبت الليلة؟ قَالَ طَاووس: وهَلْ يَنَامُ السَّحر.
وكان لطاووس طريقان إلى المسجد، طريق في السُّوق، وطريق آخر، فكان يأخذ في هذا يومًا وفي هذا يومًا، فإذا مرَّ في طريق السُّوق فرأى تلك الرؤس المشوية؛ لم ينعس تلك الليلة.
وكان طاوس يجلس في بيته، فقيل له في ذلك فقال: حيف الأئمة وفساد النَّاس.
قَالَ مجاهد لطاوس: يا أبا عبد الرحمن! رأيتك تصلِّي في الكعبة، والنبي - عليه السلام - على بابها، يقول لك: اكشف قناعك، وبين قراءتك، قَالَ: اسكت لا يسمعن هذا منك أحد، حتى تخيل إليه أنه انبسط من الحديث.
أتى طاوس رجلا في السحر، فقالوا: هو نائم، قَالَ: ما كنت أرى أن أحدا ينام في السحر.
قَالَ رجل لطاوس: ادع الله لنا، قَالَ: ما أجد في قلبي خشية فأدعو لك.
توفي طاوس بالمزدلفة أو بمنى، فلما حمل أخذ عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب بقائمة السَّرير، فما زايله حتى بلغ القبر.
محمد بن واسع:
الإمام العامل، والخاضع الخامل، أدمى الحزن قلبه، ما قعد ولا قام مقام سوء حتى لقي ربه.
قَالَ سُليمان التيمي: ما أحد أحب أن ألقى الله بمثل صحيفته، مثل محمد بن واسع.
وعن ابن واسع: إن الرَّجل ليبكي عشرين سنة، وامرأته معه لا تعلم.
وقال جعفر بن سليمان: كنت إذا وجدت من قلبي قسوة؛ غدوت فنظرت إلى وجه محمد بن واسع، كان كأنه ثكلى.
قَالَ حماد بن زيد: قَالَ رجل لمحمد بن واسع: أوصني، قَالَ: أُوصِيك أن تكون ملكًا في الدنيا والآخرة، قَالَ: كيف؟ قَالَ: ازهد في الدُّنيا.
وعنه قَالَ: طُوبى لمن وجد عشاء ولم يجد غداء، ووجد غداء ولم يجد عشاء، والله عنه راضٍ.
قَالَ ابن شوذب: قَسَم أمير البصرة على قرائها، فبعث إلى مالك بن دينار؛ فأخذ، فقال له ابن واسع: قبلت جوائزهم؟ قَالَ: سَلْ جُلَسَائي، قالوا: يا أبا بكر اشتر بها رقيقًا فأعتقهم، قَالَ: أنشدك الله أقلبك السّاعة على ما كان عليه قبل أن يجيزك؟! قَالَ: اللهم لا، قَالَ: أَيُّ شيء دخل عليك؟ فقال مالك لجلسائه: إنما مالك حمار، إنما يعبد الله محمد بن واسع.
قَالَ ابن عيينة: قَالَ ابن واسع: لو كان للذنوب ريح ما جلس إليَّ أحد.
قَالَ الاصمعي: لما صاف قتيبة بن مسلم للترك، وهاله أمرهم، سأل عن محمد بن واسع، فقيل: هو ذاك في الميمنة، جامح على قوسه، يُبصبص بأصبعه نحو السَّماء، قَالَ: تلك الإصبع أحب إلي من مائة ألف سيفٍ شهير، وشابٍ طرير.
قَالَ ابن واسع وهو في الموت: يا إخوتاه تدرون أين يُذهب بي؟ والله إلى النّار، أو يعفو الله عني.
وقال: يكفي من الدُّعاء مع الورع، يسير العمل.
وعن محمد بن واسع، وقيل له: كيف أصبحت؟ قَالَ: قَرِيبًا أجلي، بعيدًا أملي، سيئًا عملي.
وقيل اشتكى رجل من ولد محمد بن واسع إليه، فقال لولده: تستطيل على النَّاس، وأمك اشتريتها بأربع مائة درهم، وأبوك فلا كثر الله في المسلمين مثله، وقيل: إنه قَالَ لِرَجُلٍ: هَلْ أَبْكَاكَ قَط سَابِق عِلْم الله فِيك؟!
وعن أبي الطيب موسى بن يسار، قَالَ: صحبت محمد بن واسع إلى مكة، فكان يصلي الليل أجمعه، يصلي في المحمل جالسا، ويومئ
هَرِم بن حيان:
كان دائم الحزن، سريع الدَّمع، عظيم الخوف من الله - سبحانه وتعالى -.
بات هرم بن حيان العبدى عند حممة صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: فبات حممة ليلته يبكي كلها حتى أصبح، فلما أصبح، قَالَ لَهُ هرم: يا حممة! ما أبكاك؟ قَالَ: ذكرت ليلة صبيحتها تبعثر القبور، فتخرج من فيها، وتناثر نجوم السَّماء؛ فأبكاني ذلك، وكانا يصطحبان أحيانًا بالنَّهار، فيأتيان سوق الريحان، فيسألان الله - تعالى -الجنة، ويَدْعُوان، ثم يأتيان الحدّادين، فيتعوذان من النار، ثم يفترقان إلى منازلهما.
كان هرم بن حيان يخرج في بعض الليل، وينادي بأعلى صوته عجبت من الجنة، كيف ينام طالبها؟ وعجبت من النار، كيف ينام هاربها؟ ثم قرأ: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ} [سورة الأعراف: 97]
¥