تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عبد القادر بن محي الدين]ــــــــ[16 - 10 - 08, 12:09 ص]ـ

سجع الكهان (3)

أيها الأعارب، هل فيكم بقايا من حرب أو من محارب؟ (1) دبّت بينكم العقارب، وأنتم أقارب، فتكدّرت المشارب، و تقوَّضت المضارب (2). و كهُمت المضارب (3). و غاب المسدِّد في الرأي و المقارب، و لم تُغنِ النذر و المثلات و التجارب، إن لدُهاة المغارب يداً خفيّة المسارب، قرأوكم سطورًا لا رجالاً، و عرفوكم بطاءً عن الجُلَّى لا عِجالاً، و حفظوكم شعراً بلا رويّ، و فكرًا بلا رويَّة فأخذوكم ارتجالاً، و خالوكم على البعد أعمالاً، فوجودكم على القرب أقوالاً، و حسبوكم عُمَدًا في التركيب الأمميّ فألفوكم مفاعيلَ و أحوالا، فأعربوكم إعراب الفَضَلات، و عاملوكم معاملة المهملات، وراضوكم على المهانة حتى ذل جانبكم، ووطِّئت مناكبكم، فأصبحوا لا يُبالون برضاكم لأنه لا ينفَع، و لا يأبَهُون لسخطكم لأنه لا يضرّ. إن الغضبة لا تعقُبها وثبة، هي غضبة الذليل العاجز، و لو افترَّت كلُّ بارقة منكم عن صاعقة، لما حمِد شائموها القَطر، إن غضبة العاجز لا تُبكي و لا تُنكي. تشتعِل في الحنايا و لا تهدم الحنايا، تحرق صاحبها و لا تُحرق الناس، و تلك هي غضبتكم حين تغضبون.

إن للغرب فيكم مطايا ذللاً، و لرائده منكم أدلَّة أذلة، هم أصل البلاء و العلّة، قادكم بسلوك من الأمراء و الملوك، فقادوكم إلى الهاوية، فانزعوا المقادة , من هؤلاء القادة , تُفلحوا، و لن تُفلحوا و لن تصلحوا ما دام يلقاكم بوسيط واحد، فتلقَوْنه بسبعة سفراء، و يلقاكم برأي جميع، فتلقونه بسبعة آراء، و يلقاكم بكتيبة ملمومة، فتلقونه بشراذمَ شتّى ... و يتحداكم نذيُره بإنجيل واحد، فتعارضونه بيوحنّا و لوقا و متّى ...

لن تفلِحوا و لن تَصلحوا إلا إذا رجع أمركم إلى الشعب، و أجمع الشعب على رأي واحد، و اتفق الرأي على نظام واحد، و تمخّض النظام بدستور واحد، و ملك واحد، فإن قلتم: إن هذا عسير، فعيشوا عيشة الأسير, أو موتوا ميتة الحسير، شبر في الحياة و قبر في الممات.

جاءتكم النُذُر تترى، و المعجزات شفعًا ووترًا، و قامت عليكم الحجّة من ثلاثين حجة، فتغافلتم أوّلاً، و تخاذلتم أخيرًا، و ضاعت العروبة بين التغافل و التخاذل.

إن الفارق بين لفظَي العرب و الغرب نقطة، و فيها كل السر و فيها كل الشر.

وقف الغرب بالباب فلم تتحرّكوا، ثم أنشب الظفر و الناب فلم تستدركوا، ثم دسّ أنفه في التراب فوجد رائحة الزيت، ثم طلب الوقوف بالأعتاب فوطّأتم له أكناف البيت.

إن الزيت إدام، ازدحمت عليه الأقدام، فحرمه الجبان و حازه المقدام، و كان حظكم منه حظ الطبّاخ الصائم: زَهَماً في اليد و رائحة في الأنف؛ فيا أرض ابلعي زيتَكِ، و أَحْيِ ميتك، و إلا خرّب (أبرهةُ) الغرب بيتَ الله و بيتَكِ.

ألا إن الغرب جاهد في أن يلحق بلفظ السبع منكم حرفين فإذا هو (سبعون)، و أن يزيد في عدد السبع من ملوككم فإذا هو سبعون.

أيها العرب: ما أضيَعَ حكمة الأسلاف عندكم. لقد أبقوا لكم من وحي السماء و حكمة الحكماء، ما لا يُبليه التراب، و لا تُنسيه الأحقاب، و ما لو عملتم به لسدتم الكون أئمة، و قُدْتُم الكائنات بالأزِمّة، و لفللتم السيوف بالآراء، و دحضتم الآراء بالسيوف؛ و لكنكم أضعتم التراث بتشاكس الورّاث، و إذا كان الوارث غير همّام و لا حارث، غارت العين الفوّارة، و قحلت الأرض الغوّارة:

ورثنا المجد عن آباء صدق ... أسأنا في ديارهم الصنيعا

إذا البيتُ الرفيع تعاورتْه ... بُناة السوء أوشك أن يضيعا

أيها العرب: أطعتم الكبراء فأضلُّوكم، و خضعتم للأمراء فأذلّوكم، حتى لِنتم للعاجم، و دِنْتم للأعاجم، و حتى ألقيتم بالمقاود، لمن سمّاهم أجدادُكم رقاب المزاود؛ فويحكم: أغنيٌّ و يقترض، و محجوج و يعترض؟ عزّ الداء و غاب الآسي ... لم يأسُ جراحَكم ألف " دكتور" فهل يأسوها " ديكتاتور"؟ ...

وضع الأجداد العقال للرجل فنقلتْه الأحفاد إلى الرأس، و عدلوا به من الأباعر إلى الناس، و ما بين النقل و النقل، ضاع العقل ... و التصريف للألفاظ كالتصرّف في الأموال فيه القصدُ و السرَف.

كاهن الحن.

ــــــــــــــــــــــــــــــ ـ

• نشرت في العدد 71 من جريدة " البصائر" 14 مارس سنة 1949

1. حرب و محارب: قبيلتان من العرب.

2. تقوّضت المضارب: المضارب الخيام.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير