تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الابتسامة حياة]

ـ[حامد الإدريسي]ــــــــ[03 - 11 - 08, 06:57 م]ـ

عرَّف بعض الفلاسفة الإنسان بأنَّه هو الحيوان الضَّاحك، ولعمر الله، إنَّه لتعريف دقيقٌ مُميز للإنسان عن غيره من البهائم؛ ذلك أنَّ هذه الخاصِّيَّة العجيبة فيها من أسرار الله - عزَّ وجلَّ - في خلقه الشَّيء العجيب؛ فالإنسان هو الكائن الحَيُّ المدرك لهذا الكون من حوله، وبهذا الإدراك صار إنسانًا، وليس ضَحكُه أو تبسُّمه إلاَّ تفاعلاً مع هذا الكون الرَّائع، وإلاَّ مَظهرًا من مظاهر الجمال التي أودعها الله في هذا الخلق الفسيح.

إنَّك حين تنظر إلى المبتسم، ترى لوحة ناطقة، ووَرْدة مُتفتحة، وعبيرًا فوَّاحًا، تصلك نسائمُه، وتُخالط قلبك؛ فتبعثُ فيك بهجة فرح، ونهسة سعادة، ثُمَّ تتململ تلك الأشياء وتصعد؛ لتفيض من محياك ابتسامة هي أخت تلك الابتسامة، جاءت حين رأتها، وبادرت حين أحسَّتها، ولم تترك لك فُرصة اتِّخاذ القرار، بل بغتتك دون أيِّ مقدمات كردَّة فعل طبيعيَّة على الابتسامة الصَّادقة، التي غَمَرك بها هذا الوجه المُبتسم، فتلاقت الابتسامتان وتعانقتا بصدق في منظر أخَّاذ.

تخيَّل معي وأنت جالس تقرأ مقالي هذا، إذْ دَخَل عليك رجلٌ مُمتلئ الابتسامة، قد انسدَّت عيناه إلاَّ شيئًا يسيرًا، وتباعد طَرَفا شفتيه في حركة هادئة، وأخَذَت الابتسامة بكُلِّ أطرافه، فكأنَّ كلَّ جسده يتبسَّم، تَصَوَّر هذا المنظر جيِّدًا، وانظر كيف سيغمُرُك هذا الإحساس ويُسابقُك إلى ذاتك، فلا تَجد نفْسَك وقد مددت يدك لمصافحته إلاَّ قد ردَدت عليه ابتسامته بأحسنَ مِنْها، وأنت في كلِّ ذلك لم تفتعل شيئًا ولم تُحرِّك ساكنًا، إنَّما تَحَرَّكت بدافع غريب، وانبعثت بإحساسٍ عجيب، ثُمَّ يغادر هذا الشخص، وتجلس مكانك مرَّة أخرى، فتُحسُّ بأثر تلك الابتسامة ما زال حاضرًا بين جنبيك، وببقايا الفَرْحة لا زالت تملأ المكان.

ابتعد أيُّها الغليظ الجافُّ الحادُّ المكفهر الذي لم تُحرِّكك هذه الابتسامة، ولم تجد لديك من غلظ طبعك لها جوابًا، فانقلبت خائبة، وخفتت بعد أنْ كانت مشعة، ابتعد لا تفسد علينا مقالَتَنا هذه بوجهك البئيس.

تعالَ معي - يا قارئي العزيز - إلى مَعْنى أعلى من هذا، تعالَ معي إلى أساسٍ عظيم من أُسُس الإسلام وقواعده، تعالَ معي إلى قوله - تعالى -: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((لا يُؤمنُ أحدُكم، حتَّى يُحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه))، إلى أوَّل ما بَنَى عليه الرسول ذو الخُلُق العظيم - صلوات رَبِّي عليه - دولته في المدينة؛ لتحضر مَشهد العناق بين المُهاجرين والأنصار، وقد تآخَوْا بأُخُوَّة الإسلام التي تَوَارَثوا بسببها في أوَّل الأمر، قبل أن يُنسخ هذا التَّوارُث بقوله - تعالى -: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 6].

ثُم أطلَّ من هذا المكان على الابتسامة، فتُدرك مَرْتبتها في الدِّين، وتدرك مكانها من لبنات الأُخُوَّة والحب في الله الذي جعله - صلى الله عليه وآله وسلم - شرطًا لدخول الجنًة وللإيمان، قال - صلَّى الله عليه وآله وسلم -: ((لا تدخلوا الجنَّة حتَّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا، أفلا أدُلُّكم على شيء إذا فعلتموه تَحابَبْتم، أفشوا السَّلام بينكم))؛ فسَلِّم مُبتسمًا تكنْ بسنة نبيك مُلتزمًا.

إنَّ الابتسامة وقود الحياة ونورها، والحياة بدونها لا لَوْنَ لها ولا طعم، وكأنَّها أبيض وأسود فقط، بل إنَّ الابتسامة عنوان للحياة السعيدة، ولو أردنا أنْ نرسم الحياة بكُلِّ جمالها لكفانا من كُلِّ ذلك أن نرسم ابتسامة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير