تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فمن تاب قبل أن يغرغر فقد تاب من قريب فتقبل توبته و روي عن ابن عباس في قوله تعالى: {يتوبون من قريب}

قال: قبل المرض و الموت وهذا إشارة إلى أفضل أوقات التوبة و هو أن يبادر الإنسان بالتوبة في صحته قبل نزول المرض به حتى يتمكن حينئذ من العمل الصالح و لذلك قرن الله تعالى التوبة بالعمل الصالح في مواضع كثيرة من القرآن و أيضا فالتوبة في الصحة و رجاء الحياة تشبه الصدقة بالمال في الصحة و رجاء البقاء و التوبة في المرض عند حضور إمارات الموت يشبه الصدقة بالمال عند الموت فكأن من لا يتوب إلا في مرضه قد استفرغ صحته و قوته في شهوات نفسه و هواه و لذة دنياه فإذا أيس من الدنيا و الحياة فيها تاب حينئذ و ترك ما كان عليه فأين توبة هذا من توبة من يتوب من قريب و هو صحيح قوي قادر على عمل المعاصي فيتركها خوفا من الله عز و جل و رجاء لثوابه و إيثارا لطاعته على معصيته.

دخل قوم على بشر الحافي و هو مريض فقالوا له: على ماذا عزمت؟ فقال: عزمت أني عوفيت تبت فقال له رجل منهم: فهلا تبت الساعة فقال: يا أخي أما علمت أن الملوك لا تقبل الأمان ممن في رجليه القيد و في رقبته الغل إنما يقبل الأمان ممن هو راكب الفرس و السيف مجرد بيده فبكى القوم جميعا.

و معنى هذا أن التائب في صحته بمنزلة من هو راكب على متن جواده و بيده سيف مشهور فهو يقدر على الكر و الفر و القتال و على الهرب من الملك و عصيانه فإذا جاء على هذه الحال إلى بين يدي الملك ذليلا له طالبا لأمانه صار بذلك من خواص الملك و أحبابه لأنه جاءه طائعا مختارا له راغبا في قربه و خدمته و أما من هو في أسر الملك و في رجله قيد و في رقبته غل فإنه إذا طلب الأمان من الملك فإنما طلبه خوفا على نفسه من الهلاك و قد لا يكون محبا للملك و لا مؤثرا لرضاه فهذا مثل من لا يتوب إلا في مرضه عند موته و الأول بمنزلة من يتوب في صحته و قوته و شبيبته لكن ملك الملوك أكرم الأكرمين و أرحم الراحمين و كل خلقه أسير في قبضته لا يعجزه هارب و لا يفوته ذاهب و مع هذا فكل من طلب الأمان من عذابه من عباده أمنه على حال كان إذا علم منه الصدق في طلبه.

الأمان الأمان و زري ثقيل ... و ذنوبي إذا عددت تطول.

أوبقتني و أوثقتني ذنوبي ... فترى لي إلى الخلاص سبيل

ـ[توبة]ــــــــ[04 - 08 - 07, 02:13 ص]ـ

قوله عز و جل: {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن و لا الذين يموتون و هم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما}

فسوى بين من تاب عند الموت و من مات من غير توبة و المراد بالتوبة عند الموت التوبة عند انكشاف الغطاء و معاينة المحتضر أمور الآخرة و مشاهدة الملائكة فإن الإيمان و التوبة و سائر الأعمال إنما تنفع بالغيب فإذا كشف الغطاء و صار الغيب شهادة لم ينفع الإيمان و لا التوبة في تلك الحال و روى ابن أبي الدنيا بإسناده عن علي قال: لا يزال العبد في مهل من التوبة ما لم يأته ملك الموت بقبض روحه فإذا نزل ملك الموت فلا توبة حينئذ.

و بإسناده عن الثوري قال: قال ابن عمر: التوبة مبسوطة ما لم ينزل سلطان الموت و عن الحسن قال: التوبة معروضة لابن آدم ما لم يأخذ الموت بكظمه و عن بكر المزني قال: لا تزال التوبة للعبد مبسوطة ما لم تأته الرسل فإذا عاينهم انقطعت المعرفة و عن أبي مجلز قال: لا يزال العبد في توبة ما لم يعاين الملائكة و روي أيضا في كتاب الموت بإسناده عن أبي موسى الأشعري قال: إذا عاين الميت الملك ذهبت المعرفة و عن مجاهد نحوه و عن حصين قال: بلغني أن ملك الموت إذا غمز وريد الإنسان حينئذ يشخص بصره و يذهل عن الناس.

و خرج ابن ماجه حديث [أبي موسى مرفوعا قال: سألت النبي صلى الله عليه و سلم: متى تنقطع معرفة العبد من الناس؟ قال: إذا عاين] و في إسناده مقال و الموقوف أشبه و قد قيل: إنه إنما منع من التوبة حينئذ لأنه إذا انقطعت معرفته و ذهل عقله لم يتصور منه ندم و لا عزم فإن الندم و العزم إنما يصح مع حضور العقل و هذا ملازم لمعاينة الملائكة كما دلت عليه الأخبار و قوله صلى الله عليه و سلم في [حديث ابن عمر: ما لم يغرغر] يعني إذا لم تبلغ روحه عند خروجها منه إلى حلقه فشبه ترددها في حلق المحتضر بما يتغرغر به الإنسان من الماء و غيره و يردده في حلقه.

و إلى ذلك الإشارة في القرآن بقوله عز و جل: {فلولا إذا بلغت الحلقوم * و أنتم حينئذ تنظرون * و نحن أقرب إليه منكم و لكن لا تبصرون} و بقوله عز و جل: {كلا إذا بلغت التراقي}

و روى ابن أبي الدنيا بإسناده عن الحسن قال: أشد ما يكون الموت على العبد إذا بلغت الروح التراقي قال: فعند ذلك يضطرب و يعلو نفسه ثم بكى الحسن رحمه الله تعالى.

عش ما بدا لك سالما ... في ظل شاهقة القصور

يسعى عليك بما اشتهيـ ... ت لدى الرواح و في البكور

فإذا النفوس تقعقعت ... في ضيق حشرجة الصدور

فهناك تعلم موقنا ... ما كنت إلا في غرور

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير