تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[اشراقات وبواعث]

ـ[عمر الريسوني]ــــــــ[12 - 11 - 08, 05:39 م]ـ

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

سبحان من جعل نوره هداية للناس الذين أخلصوا دينهم لله، وقد جاء ذكر النور في كتاب الله في أكثر من موضع يحمل معان مختلفة وجاء ذكره مفردا، وهذا النور تقابله الظلمة وظلمات عديدة، و الظلمات جاءت بصيغة الجمع وفي ذلك حكمة بالغة، لأنها ظلمات عديدة منها ظلمات الجهل، ظلمات الضلال والشرك والكفر والحيرة والمكابرة والدنس فمن اهتدى لنوره وحقيقته التي ما بعدها حقيقة برحمة منه فقد فاز.

ان كل شيء مخلوق بصفاته المادية يبلى ويتهدم أما النور فله خصائص وصفات مغايرة عن كل

أشكال المادة، ومن خصائص النور أنها تملأ المكان وتعمه، والنور يبدد الظلام واذا رأيت ثم رأيت في اطلالة على فضاءات واسعة مشرقة يعمها النور ستحس بسعادة غامرة تسري في كيانك و أوصالك المهذبة بيقين لأن القلوب بمعدنها تنشرح لهذا النور الغامر.

ولعل معرفتنا بالنور هو في حدود معارفنا الدنيوية ومقاييسنا العقلية وطبيعتها الخلقية، أما حقيقة النور فهي أسمى وأعظم من كل تأويل.

والاشارات المتضمنة في الآيات التي تصف النور نبضها أقوى من كل علم أو وصف أو ادراك

لكن في أقصى حدود معانيها فانها تعبر بعمق عن الطهر والقدسية والجلال والحقيقة خصوصا ما جاء في الآية الكريمة: الله نور السماوات والأرض، الآية

يقول الله سبحانه في محكم التنزيل:

الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم، غافر 7

لقد جاء ذكر الرحمة مسبوقا عن ذكر العلم، ورحمته سبحانه وسعت كل شيء وهو الرحمان الرحيم نور السماوات والأرض يهدي بنوره ورحمته من يشاء من عباده.

واتبعوا سبيلك، الآية .. أي الذين اتبعوا طريق النور والهداية.

فنوره ورحمته هدى للمؤمن وهذا النور عم كل الخلائق فمن اهتدى فله النور والرحمة، وهذا من فضله سبحانه على العالمين فلا يلزم الانسان الا التعرض لنفحاته التي تسري بقوة وتتفاعل معها القلوب.

وما يجلي لنا حقائق النور والرحمة بكل وضوح

هو أنك لما تخرج في ليلة حالكة ومظلمة فتريد أن تجد سبيلا فلا تقدر فاذا بك ترى نور القمر فتستهدي به في مسعاك فهذا النور هو من فضل الله ورحمته، وهذا النور ليس مصدره القمر بل السراج الوهاج، ونور القمر ما هو الا انعكاس لنور شديد وأقوى ..

ومن خصائص النور كما ذكرت أنه اذا سقط على مادة ما فان جزءا منه يرتد، وتحدث ظواهر غريبة

فيه وأحوال انعكاسية - reflect ، و أخرى انكسارية - refraction

وأجزاء أخرى فيه تمتص - absorbed

وحالات وظواهرعديدة لها علاقة بالنور لايعلم سرها الا الله.

وليس لها أي تفسير مادي

وهذا الأمر حير علماء غربيين منهم العالم الكندي بنفيلد المتخصص

في جراحة الأعصاب والدماغ، وبعد بحوث مضنية لمعرفة الدماغ وماهيته

منطلقا من أسس مادية قال: العقل لا يفسر الدماغ، وبعدها أقر بأن العقل

حقيقة غير مادية.

وأنى لقوم لا يفقهون أن يعرفوا ويدركوا حقيقة النور.

وهناك تفسير للامام الفخر الرازي التفسير الكبير للآية الكريمة: مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون، الآية البقرة17

يقول الفخر الرازي: فأما تشبيه الايمان بالنور، والكفر بالظلمة فهو في كتاب الله كثير، والوجه فيه أن النور قد بلغ النهاية في كونه هاديا الى المحجة، والى طريق المنفعة، وازالة الحيرة وهذا حال الايمان في باب الدين

فالانسان يكتسب نورا بايمانه ويبطله اذا زاغ عن الايمان

والتشبيه في الآية ينبني على أسس علمية دامغة تكتسي آيات باهرة في رسوخ النور للمؤمن وعدمها للكافر والمنافق، لذلك جاء في قوله تعالى: ذهب الله بنورهم، الآية ولم يقل سبحانه ذهب بضياءهم وفي ذلك حكمة بالغة ومثل عظيم راسخ.

فسبحانه هو العزيز الوهاب القائل في محكم كتابه:

وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا، نوح الآية 16

كما أن هذا النور يجده الانسان في عبادته لمولاه، قد يجده في ذكره سبحانه، قد يحس به في افتقاره الشديد الى ربه.

وهو الذي يخرجنا من الظلمات الى النور، والذي يبصر بالنور ليس كالذي يبصر بفكر غير متقد لا يحمل شعاع الحقيقة التي ما بعدها حقيقة.

واذا تفقهت القلوب وعت وأدركت معدن كنهها الحقيقي وأدركت النور وعلمت غاية غاياتها فارتقت الى مدارك أرقى.

وليس ذلك بالأمر السهل و الهين فالقلوب سميت قلوبا بتقلباتها الغامرة والمثيرة، ولا تترسخ فيها ادراكات المعرفة الا بالعلم والمجاهدة مع النفس.

والقلب لا ينال مطالبه الا بالتقوى والايمان وأن تعرف نفسك بالذل والعجز والقصور وافتقارك الشديد لمالك قلبك فتجعل همك واشتغالك به في خوف وحسرة ووجل حتى لا تفقده في لحظات الغفلة والنسيان لأن قلبك هو الصلة الموصولة مع ربك العزيز الشأن فمتى فقدت قلبك فقدت ربك ومن فقده فهو يعيش في غفلة مريبة.

فحضور القلب ضروري في العبادات حتى يتزكى العمل الخالص لله العليم بالسرائر.

قال اسحاق بن ابراهيم: لأن تردد قلبك الى الله تعالى ذرة خير لك من جميع ما طلعت الشمس.

فهذا القلب مضغة نورانية بحاجة الى من يحرك جنوده وملكاته و بواعثه لينهل من حقيقته ليسمو ويترقى الانسان بمداركه وبكيانه النفسي والروحي، وكلما ترسخت فيه حقائق الايمان العظيمة ناله شوق عظيم وتآلف وقرب وأنس ومحبة بنور التأييد.

يقول الله تعالى في محكم التنزيل:

ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور، الآية .. النور

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير