(أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ)
قال ابن كثير رحمه الله: أي أوَ ما عشتم في الدنيا أعماراً لو كنتم ممن ينتفع بالحق لانتفعتم به في مدة عمركم؟
ولذا كان قتادة رحمه الله يقول: اعلموا أن طول العمر حجة، فنعوذ بالله أن نُعيّر بطول العمر.
وقد روى البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه على آله وسلم أنه قال: أعذر الله إلى امرئ أخّر أجله حتى بلّغه ستين سنة.
وسُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس خير؟
قال: من طال عمره، وحسن عمله.
قيل: فأي الناس شر؟
قال: من طال عمره، وساء عمله. رواه الإمام أحمد والترمذي.
فالأعمار سريعة التّقضّي سريعة الزوال
وكم من إنسان سوّف وأكثر من: " سوف " و " لعل "
فمرّت الأيام سريعا وانقضى أجلُه، ولو قيل له تمنى: لقال أتمنى ساعة أذكر فيها ربي وأعبده وأقوم بشيء من حقِّه.
قال ابن الجوزي رحمه الله:
وا أسفي لمنقطع دون الركب، متأخر عن لحاق الصّحب، يعدّ الساعات في " متى " و " لعل "، ويخلو في " عسى " و " هل "!
يا من يعد غدا لتوبته = أعلى يقين من بلوغ غدِ؟
المرء في زلل على أمل = ومنية الإنسان بالرصد
أيام عمرك كلها عدد = ولعل يومك آخر العدد
إخواني:
الحزم الحزم
والعزم العزم
يا آدمي أتدري ما مُنيت به = أم دون ذهنك ستر ليس ينجابُ
يوم ويوم ويفنى العمر منطويا = عام جديب وعام فيه اخصاب
فلا تغرنك الدنيا بزخرفها = فأريها أن بلاها عاقل صاب
والحزم يجني أمورا كلها شرف = والخرق يجني أموراً كلها عاب
وقد ذكر ابن القيم – رحمه الله – من أنواع الغيرة: الغيرة على وقت فات.
والوقت إذا فات ومضى لا يُمكن تعويضه
وأما المال فيذهب ويُمكن تعويضه في وقت آخر.
ها هو الوقت بين يديك، وهو عمركِ فاعمره بما يسرّك في القيامة أن تَراه.
إن اليوم والليلة لا تزيد على أربع وعشرين ساعة
ولكن من الناس من تمر عليه وقد ملّ منها ومن طولها لطول فراغه، وعدم إشغال نفسه بما ينفع.
ومن الناس من يتمنّى أن اليوم والليلة يطول حتى يقضي منهما مآربه من بحث ومطالعة وحفظ ومراجعة ومذاكرة وزيارة في الله ونحو ذلك.
بل يُقسم بعضهم لو بيع الوقت لاشتراه!
ويتمنى آخرون لو أن الأوقات يُمكن فيها السّلف والدَّين والقرض! ليقترضوا من أوقات البطّالين!
إخواني وأخواتي:
تأملوا في يومكم وليلتكم
كم هي الأوقات التي تم استغلالها؟
وكم هي الأوقات التي هي لكم لا عليكم؟
وكم هي الأوقات التي أمضيناها في طاعة الله؟
ربما تكون لدى بعض الناس لا تتجاوز نصف ساعة من أربع وعشرين ساعة.
والبقية من الوقت؟
ذهبت أدراج الرياح!
وضاعت سبهللا!
فيا ضيعة الأعمار لا تتعوّض.
طويت صحائفُ الأيام، وبقيت شاهدة علينا بما أودعناها.
نسيناه فيما مضى من أيام وأعمال، ولكنه عند ربي في كتاب لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها
قال ابن القيم – رحمه الله – بعد أن ذكر عشرةَ أشياء ضائعة. قال:
وأعظم هذه الإضاعات إضاعتان هما أصل كل إضاعة:
إضاعة القلب
وإضاعة الوقت
فإضاعة القلب من إيثار الدنيا على الآخرة
وإضاعة الوقت من طول الأمل
فاجتمع الفساد كله في اتباع الهوى وطول الأمل
والصلاح كله في اتِّباع الهدى والاستعداد لِلقاء.
والحرص على الوقت دليل على صحة القلب
قال ابن القيم رحمه الله:
ومن علامات صحته – يعني القلب - أن يكون أشح بوقته أن يذهب ضائعا من أشدّ الناس شحّاً بماله.
وأختم القول بقول ابن الجوزي رحمه الله:
حيث قال رحمه الله:
يا طويل الأمل في قصير الأجل
أما رأيت مستَلبا وما كمُل؟
أتؤخر الإنابة وتعجل الزلل
ويمضي ابنُ الجوزي قائلاً:
يا أخي:
التوبة التوبة قبل أن تصل إليك النوبة
الإنابة الإنابة قبل أن يُغلق باب الإجابة
الإفاقة الإفاقة فيا قُرب وقت الفاقة
إنما الدنيا سوق للتجر، ومجلس وعظ للزجر، وليل صيف قريب الفجر
المكنة مُزنة صيف
الفرصة زورة طيف
الصحة رقدة ضيف
الغرة نقدة زيف
الدنيا معشوقة وكيف؟
البدار البدار فالوقت سيف
يا غافلا عن مصيره
يا واقفا في تقصيره
سبقك أهل العزائم، وأنت في اليقظة نائم.
قف على الباب وقوف نادم، ونكّس رأس الذل وقل: أنا ظالم، وناد في الأسحار مذنب وواجم، وتشبه بالقوم وإن لم تكن منهم وزاحم، وابعث بريح الزفرات سحاب دمع ساجم.
قم في الدجى نادبا، وقف على الباب تائبا، واستدرك من العمر ذاهبا، ودع اللهو والهوى جانبا. انتهى.
ويقول:
يا من أنفاسه محفوظة، وأعماله ملحوظة
أيُنفق العمر النفيس في نيل الهوى الخسيس
جَدّ الزمان وأنت تلعب = والعمر لا في شيء يذهبُ
كم كم تقول غدا أتوب = غداً غدا والموت أقرب
أمَا عمرك كل يوم ينتهب؟
أمَا المُعظم منه قد ذهب؟
في أي شيء؟ في جمع الذهب
تبخل بالمال والعمر تَهَب
فالعمر قصير فلا تُقصِّره بتضييعه والتفريط فيه.
العمر كما بين الأذان إلى الصلاة
أذان المرء حين الطفل يأتي ... وتأخير الصلاة إلى المماتِ
دليل أن محياه يسير ... كما بين الأذان إلى الصلاة!
فالوقت هو الحياة
فاحفظه حفظك الله
فمن حفظ الله حفظه الله.
وها نحن نقف على أبوب الإجازة الصيفية فمغبون فيها وخاسر، ورابح فيها ومع الله مُتاجر
فاختر لنفسك.
وها نحن على عتبات ثمانين يوماً أو تزيد فماذا أعددت لها للاستفادة منها؟؟
بعلم نافع
أو حفظٍ لكتاب الله
أو دعوة إلى الله
أو تعليم جاهل
أو قراءة في كتاب
أو ملازمة شيخ أو شيوخ
أهيب بنفسي وبك أن لا تمرّ هذه الأيام والليالي دون فائدة
قد هيئوك لأمر لو فطنت له ... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ
..............
بقلم فضيلة الشيخ / عبد الرحمن السحيم -حفظه الله-
منتديات الإرشاد للفتاوى الشرعية
¥