((وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيابينهم)) فالاختلاف من بعد مجيء العلم دليل على البغي .. والتعصب .. والظلم، وليسهو من باب اختلاف التنوع، إذا كان في المسألة دليل شرعي واضح ليس معارَضاًبغيره.ولهذا قال الشافعي: ((إذا صح الحديث فهو مذهبي)) وقال أحمد: ((من ترك حديثرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة)) وقال أبو حنيفة: ((إذا أتاك الحديث منرسول الله فاضرب بقولي عرض الحائط)) وقال مالك: ((كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحبهذا القبر)) فمن وجد نفسه يختار قول إمام يبجله .. مع كون حجة غيره أقوى .. فليتهمعلمَه وقلبه
((قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً)).لابد علىطالب العلم مهما بلغ شأنه .. أن يظل مستحضرا أن ما أوتيه من العلم قليل ..
فلايغتر بما معه .. فيعاقب بالحرمان والطغيان .. وقسوة القلب وفساد النيةوقد قيل فيمراتب طالب العلم في ذلك:-
-المبتدي .. وهو يتوهم بحفظه لبعض المتون وإتقانه لبعضالمسائل .. أنه غدا في عداد الراسخين أو من يحق لهم الفتوى .. والجسارة على ما ليس منحقه
-والمتوسط .. وهو من فجأته كثرة العلوم والكتب واطلاعه على علم العلماء .. فأكسبه ذلك تواضعاً وانكسار نفس.
-والمنتهي .. وهو من إذا سألته عن حجم علمه .. قاللك: لا أعلم شيئاً!
ثم اعلم أن استذكار المرء لكون علمه قليلاً جداً .. يحفزه لمواصلةالمسير .. بقدر ما يتيقن من هذه الحقيقة ..
((إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً)). وإنك لن تجدعالماً ربانياً صادقاً .. إلا وجدت الله قد جمّله بحسن عبادته والإنابة إليهوالإخبات .. والانكسار بين يديه سبحانه ما بين قيام ليل وغيره .. وقد أرشد النبي صلىالله عليه وسلم إمام العلماء معاذ لأنْ يقول دبر كل صلاة: ((اللهم أعني على ذكرك وشكركوحسن عبادتك)).ومن تتبع سير أكابر أهل العلم .. يلحظ ذلك خصيصة فيهم ..
وقد راقبابن القيم شيخه ابن تيمية .. فنقل أنه كان يجلس بعد الفجر حتى ينتصف النهار ..
فقالله مرة: هذه غدوتي ولم لم أتغدَّ سقطت قواي. وعند الترمذي من حديث عليموقوفاً .. قال في صفة القرآن: ((ولا يشبع منه العلماء)).ونحو ذلك عن عثمان رضي اللهعنهما .. فقال: لو صحت قلوبنا لما شبعت من كلام الله.وقد وصف حالة الذين أوتواالعلم .. وأثنى على خشوعهم .. وبيّن ما يحرصون هم على إخفائه .. رفعاً لذكرهم ..
وصوّرحالاً من أحوالهم .. وهو الخر للأذقان بالسجود .. عند تلاوة الآيات عليهم.مع أنَّأهل العلم تطرق أسماعهم آيات الله كثيراً .. فلا يعتادون عليها .. وهم في خشوعمستمر.يتعاظم مع تعاظم علمهم .. بخلاف الضلّال الظالمين .. فلا يزيدهم القرآن إلاخساراًوالآية عامة في الذين أوتوا العلم ولا وجه لتخصيصها
((بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم)).وهذا دليلالحفظ .. وقد وجدت شاعر النيل-رحمه الله- في كتابه النظرات يسخر من حفظةالمتون .. ككتاب كالبخاري ونحوه .. قائلاً إن هؤلاء الحفظة .. لم يزيدوا على أن زاد عددالنسخ! .. وهذه نظرة قاصرة وقع فيها جماعة من المعاصرين .. من الفقهاء ونحوهم .. منالمغترين بفهمهم أو الفرحين بما عندهم من العلم.ووضوح بطلانها أظهر من أنْ يردعليه. وقوله (بينات) بيان لشرف محفوظهم.وتأكيد على أنَّ حفظهم قارنهالفهم.فليس ما استودعوه صدروهم حروفاً مجردة .. لا تجاوز حناجرهم ..
بل آياتبينات .. تهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم.
((يرفعِ الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)).قال ترجمان القرآن:أييرفع الله الذين أوتوا العلم من الذين آمنوا على الذين آمنوا ولم يؤتواالعلم.وفرق بين ((الذين أوتوا العلم)) وبين طلبة العلم .. أو العلماء ..
لأنَّ اللهتعالى هو من آتاهم العلم وإن كان بنى الفعل على مالم يسم فاعله ..
¥