تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فتأمّل رحمك الله ما أصاب الإمام مالك - رحمه الله - من شدة الغضب وتصبب العرق إجلالاً وتعظيماً لله - تعالى - وإنكاراً لهذا السؤال عن كيفية استواء الربّ - تعالى - ومن الأمثلة في هذا الباب ما جرى للإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - تعالى - لما مر مع ابنه عبد الله على قاص يقص حديث النزول فيقول: إذا كان ليلة النصف من شعبان ينزل الله - عز وجل - إلى سماء الدنيا بلا زوال ولا انتقال ولا تغير حال، يقول عبدالله: فارتعد أبي، واصفر لونه، ولزم يدي، وأمسكته حتى سكن، ثم قال: قف بنا على هذا المتخرص، فلما حاذاه قال: يا هذا رسول الله أغير على ربه - عز وجل - منك، قل كما قال رسول الله [18].

ومن تعظيم الله - تعالى -: تعظيم كلامه، وتحقيق النصيحة لكتابه تلاوة وتدبراً وعملاً، وقد حقق سلفنا الصالح الواجب نحو كتاب الله - تعالى - من التعظيم والإجلال، حتى إن بعض السلف كانوا يكرهون أن يصغروا المصحف. [19].

وقال بعضهم: والله ما نمت في بيت فيه كتاب الله، أو حديث رسول الله احتراماً لهما [20].

ومما يجب تعظيمه وتوقيره: تعظيم رسول الله وتوقيره، وتعظيم سنته وحديثه، يقول ابن تيمية في تقرير وجوب توقيره وإجلاله: إن الله أمر بتعزيره وتوقيره، فقال: [وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ] [الفتح: 9] والتعزير اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه، والتوقير اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار.

ومن ذلك: أنه خصّه في المخاطبة بما يليق به، فقال: [لا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضاً] [النور: 63]، فنهى أن يقولوا: يا محمد، أو يا أحمد، أو يا أبا القاسم، ولكن يقولوا: يا رسول الله، يا نبي الله، وكيف لا يخاطبونه بذلك والله - سبحانه و تعالى - أكرمه في مخاطبته إياه بما لم يكرم به أحداً

من الأنبياء، فلم يَدْعُه باسمه في القرآن قط ...

ومن ذلك: أنه حرّم التقدم بين يديه بالكلام حتى يأذَن، وحرم رفع الصوت فوق صوته، وأن يُجهر له بالكلام كما يجهر الرجل للرجل ...

ومن ذلك: أن الله رفع له ذكره، فلا يُذكر الله سبحانه إلا ذكر معه، وأوجب ذكره في الشهادتين اللتين هما أساس الإسلام، وفي الأذان الذي هو شعار الإسلام، وفي الصلاة التي هي عماد الدين .... [21]

ومما يجدر التنبيه عليه: أن التعظيم المشروع لرسول الله هو تعظيمه بما يحبه المعظّم ويرضاه ويأمر به ويثني على فاعله، وأما تعظيمه بما يكرهه ويبغضه ويذم فاعله، فهذا ليس بتعظيم، بل هو غلو منافٍ للتعظيم. [22]

وعقد الدرامي في سننه باباً بعنوان: باب تعجيل عقوبة من بلغه عن النبي حديث فلم يعظمه، ولم يوقره [23]، وأورد الدرامي جملة من الآثار التي تضمنت عقوبات ومثلات في حق من لم يعظّم حديث رسول الله.

وقد عني السلف الصالح بتعظيم السنة النبوية وإجلال رسول الله، ومن ذلك:

ما قاله عبد الله بن المبارك عن الإمام مالك بن أنس: كنت عند مالك وهو يحدثنا حديث رسول الله فلدغته عقرب ست عشرة مرة، ومالك يتغير لونه ويصفر، ولا يقطع حديث رسول الله، فلما فرغ من المجلس وتفرق الناس، قلت: يا أبا عبد الله، لقد رأيت منك عجباً! فقال: نعم إنما صبرت إجلالاً لحديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-[24].

وقال الشافعي - رحمه الله - تعالى -: يكره للرجل أن يقول: قال رسول الله، ولكن يقول: رسول الله؛ تعظيماً لرسول الله. [25]

وممن يجب تعظيمهم وإجلالهم: صحابة رسول الله، فيتعين احترامهم وتوقيرهم، وتقديرهم حق قدرهم، والقيام بحقوقهم رضي الله عنهم.

وقد خرج جرير بن عبد الله البجلي، وعدي بن حاتم، وحنظلة الكاتب رضي الله عنهم من الكوفة حتى نزلوا قرقيساء وقالوا لا نقيم ببلدة يشتم فيها عثمان بن عفان. [26] وباعد محمد عبد العزيز التيمي داره وقال: لا أقيم ببلدة يشتم فيها أصحاب رسول الله. [27] ولما أظهر ابن الصاحُب الرفضَ ببغداد سنة 583 هـ جاء الطالقاني إلى صديق فودّعه، وذكر أنه متوجه إلى بلاد قزوين. فقال صديقه: إنك ههنا طيّب، وتنفع الناس.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير