رفعت نفسي من السجود جالساً على عقبي، وأبقيت ذهني فارغاً، رافضاً السماح لأي شيء أن يصرف انتباهي.
الله أكبر ..
وضعت وجهي على الأرض مرة أخرى، وبينما كان أنفي يلامس الأرض، رحت أكرر عبارة: سبحان ربي الأعلى بصورة آلية، فقد كنت مصمماً على إنهاء هذا الأمر مهما كلفني ذلك.
الله أكبر ..
انتصبت واقفاً، فيما قلت لنفسي: لا تزال أمامك ثلاث جولات، فصارعت عواطفي وكبريائي في ما تبقى لي من الصلاة، لكن الأمر صار أهون في كل شوط، حتى أنني كنت في سكينة شبه كاملة في آخر سجدة، ثم قرأت التشهد في الجلوس الأخير، وأخيراً سلمتُ عن يميني وشمالي.
لقد بلغ مني الإعياء مبلغه، بقيت جالساً على الأرض، وأخذت أراجع المعركة التي مررت بها، لقد أحسست بالإحراج لأنني عاركت نفسي كل ذلك العراك في سبيل أداء الصلاة إلى آخرها، ودعوت برأس منخفض خجلاً: اغفر لي تكبري وغبائي، فقد أتيت من مكان بعيد، ولا يزال أمامي سبيل طويل لأقطعه.
وفي تلك اللحظة، شعرت بشيء لم أجربه من قبل، ولذلك يصعب علي وصفه بالكلمات، فقد اجتاحتني موجة لا أستطيع أن أصفها إلا بأنها كالبرودة، وبدا لي أنها تشع من نقطة ما في صدري!
كانت موجة عارمة فوجئت بها في البداية، حتى أنني أذكر أنني كنت أرتعش، غير أنها كانت أكثر من مجرد شعور جسدي، فقد أثرت في عواطفي بطريقة غريبة أيضاً، لقد بدا كأن الرحمة قد تجسدت في صورة محسوسة وأخذت تغلفني وتتغلغل فيّ، فبدأت بالبكاء من غير أن أعرف السبب، أخَذَت الدموع تنهمر على وجهي، ووجدت نفسي أنتحب بشدة، وكلما ازداد بكائي، ازداد إحساسي بأن قوة خارقة من اللطف والرحمة تحتضنني، ولم أكن أبكي بدافع من الشعور بالذنب، رغم أنه يجدر بي ذلك، ولا بدافع من الخزي أو السرور، لقد بدا كأن سداً قد انفتح مطِلقاً عنانَ مخزونٍ عظيمٍ من الخوف والغضب بداخلي.
لا يسعني وأنا أكتب هذه السطور إلا أن أسأل عما لو كانت مغفرة الله ـ عز وجل ـ لا تتضمن مجرد العفو عن الذنوب، بل تتضمن كذلك الشفاء والسكينة.
ظللت لبعض الوقت جالساً على ركبتي، منحنياً إلى الأرض، منتحباً ورأسي بين كفي، وعندما توقفت عن البكاء أخيراً، كنت قد بلغت الغاية في الإرهاق، لقد كانت تلك التجربة جارفة وغير مألوفة إلى حد لم يسمح لي حينئذ أن أبحث عن تفسيرات عقلانية لها، وقد رأيت حينها أن هذه التجربة أغرب من أن أستطيع إخبار أحد بها، أما أهم ما أدركته في ذلك الوقت فهو: أنني في حاجة ماسة إلى الله، وإلى الصلاة ..
وقبل أن أقوم من مكاني، دعوت بهذا الدعاء الأخير: اللهم إذا تجرأتُ على الكفر بك مرة أخرى، فأمتني قبل ذلك، خلصني من هذه الحياة ..
من الصعب جداً أن أحيا بكل ما عندي من النواقص والعيوب، لكنني لا أستطيع أن أعيش يوماً واحداً آخر وأنا أنكر وجودك.
الدكتور " Jeffrey Lang" أستاذ الرياضيات في جامعة كنساس الأمريكية
منقول من ملتقى الشبكة النسائية العالمية
ـ[عمرو فهمي]ــــــــ[22 - 12 - 08, 02:37 ص]ـ
جزاكم الله خيرا،،،
ـ[عمرو فهمي]ــــــــ[22 - 12 - 08, 02:37 ص]ـ
ذكرني ذلك بالصحابي حكيم بن حزام 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - الذي بايع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في بداية إسلامه على أن لا يخر إلا قائما أي لا يركع في الصلاة (على إحدى تأويلاتها)