"اللاهثون للشهرة" .. للشيخ سعد السعدان "مقالٌ قيِّم".
ـ[محمد المبارك]ــــــــ[28 - 12 - 08, 01:26 م]ـ
اللاهثون للشهرة ... !!
العمل إذا لم تكن معه نية صادقة، ولا نفس مهذبة، ولا فكر سليم، يكون وبالاً على صاحبه في الدنيا والآخرة، ورحم الله مطرِّف بن عبدِ الله حينما قال: «صلاحُ القلب بصلاحِ العملِ، وصلاحُ العملِ بصلاحِ النيَّةِ». (1) فالقلوب تحتاج لمعاهدة شديدة ودقيقة لتصحيح النية، لأنها من أصعب الأمور على النفوس، وقد قال سفيانَ الثَّوريِّ: «ما عالجتُ شيئاً أشدَّ عليَّ من نيَّتي؛ لأنَّها تتقلَّبُ عليَّ». (1)
وأحدنا يعمل الأعمال، وينبري للمهام، ويتولى المسؤوليات، فمنا من يعالج نيته دوماً، ويسأل الله الإخلاص والقبول، ويجتهد في إصلاح حاله، فهذا في خير، ومنا من يطمع في منصب دنيوي، ومكانة عند البشر، فنيته مدخولة، وهناك من يحب الشهرة، وأن تكون شخصيته لامعة، واسمه على كل لسان، حتى لو خالف المألوف، وهو جاهل مسكين، فيكتب ويتحدث ويخوض في أمور لا يفهمها، وليست من بابته، وربما لقَّب نفسه خبيراً في الجماعات الإسلامية .. !! فيبيح لنفسه أن يطعن في الأصول والثوابت، ويلمز أهل الخير بكل نابئة وسيئة، ويلقي بالتهم على المؤسسات الخيرية، وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم، وثالثة الأثافي يقدح ويهجم على كبار العلماء، ويبيح لنفسه تحت مظلة لا قداسة لأحد؟ أن يجعل كل عالم بشرع الله تحت مظلة المشرحة الظالمة!! فيبيح لنفسه ولكل ناعق وقزم وحَدَث أن يُجرِّحوا في العلماء ليسقطوا هيبتهم عند الناس؟
وقد يكون لأحدهم انحرافات فكرية وأخلاقية، وقد قال أحدهم لصاحبه عندما سأله: لماذا أنت تسبح ضد التيار؟ قال: بالمختصر أريد الشهرة!! فبئست من شهرة، وخابت من توجهات، ? سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ? [الزُّخرف:19] قال بشر بن الحارث: «ما اتَّقَى الله من أحب الشهرة». (2)
وما أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقُولُ: «إنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى? يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ. فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا. قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى? اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ: كَذَبْتَ. وَل?كِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ. فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى? وَجْهِهِ حَتَّى? أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ. فَأُتِيَ بِهِ. فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا. قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ: كَذَبْتَ وَلَـ?كِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ. وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِىءٌ. فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى? وَجْهِهِ حَتَّى? أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ. فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا. قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ. قَالَ: كَذَبْتَ. وَلَـ?كِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ. فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى? وَجْهِهِ. ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ». (3)
قال الحافظ ابن رجب: في الحديث: إنَّ معاويةَ لمَّا بلغه هذا الحديثُ، بكى حتَّى غُشِي عليه، فلمَّا أفاق، قال: صدَقَ الله ورسولُه، قال الله - عز وجل -: ? مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ* أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّار ? [هود:15ـ16]. (4)
فأين من تطلعت نفسه لحب الشهرة والظهور، وحب مدح الناس ولو كان على حساب الدين وقيم المجتمع؟! وأما من جاءته الشهرة في الخير بدون سعي ولا إشراف نفس فهذا أمر محمود. والله يحب من عباده التقي الخفي، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللّه يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ، الْغَنِيَّ، الْخَفِيَّ» (5)
فما أحوجنا لوقفة مع أنفسنا لإصلاحها، وتهذيبها، وردعها عن الجرأة على دين الله، والخوض في أمور الشريعة التي هي ليست لكل أحد،، ورحم الله من وقف عند حده، وعرف قدر نفسه، وقدَّر وأَجَل العلماء، وعظَّم أوامر الله، والله غفور رحيم.
ـ[ماهر]ــــــــ[01 - 02 - 09, 09:53 م]ـ
ما شاء الله تبارك الله، جزى الله فضيلة الشيخ سعد السعدان كل خير على هذا المقال النافع الماتع، أسأل الله أن ينفع بعلمه ومعرفته، آمين.
وما أحوجنا إلى أن نتفقد سرائرنا صباح مساء، وما أحوجنا إلى النيات الخالصة في زمن الشهرة والفتنة نسأل الله العافية.
أسأل الله أن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأن يجرينا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
أكرر شكري للشيخ المتفنن الشيخ سعد السعدان على مقاله الرائع، وأسأل الله أن ينفع به وبعلمه.
¥