ولذلك جاءت السنة بتقسيم العلم إلى نافع وغير نافع، والاستعاذة من العلم الذي لا ينفع، وسؤال العلم النافع ففي صحيح مسلم (21) عن زيد بن أرقم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها).
وخرجه أهل السنن (22) من وجوه متعددة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي بعضها ومن دعاء لا يسمع. وفي بعضها أعوذ بك من هؤلاء الأربع.
وخرج النسائي (23) من حديث جابر أن النبي - صلي الله عليه وسلم - كان يقول (اللهم إني أسألك علماً نافعاً وأعوذ بك من علم لا ينفع).
وخرجه ابن ماجه (24) ولفظه: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: سلوا الله علما نافعا وتعوذوا بالله من علم لا ينفع.
وخرجه الترمذي (25) من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علماً).
وخرج النسائي (26) من حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو (اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وارزقني علماً تنفعني به).
وخرج أبو نعيم (27) من حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (اللهم إنّا نسألك إيماناً دائماً فرب إيمان غير دائم وأسألك علماً نافعاً فرب علم غير نافع).
وخرج أبو داود (28) من حديث بُريدة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنَّ منَ البيان لسحراً وإن من العلم جهلاً) وإن صَعْصَة بن صَوْحان فسر قوله (إن من العلم جهلاً) أن يتكلف العالم إلى علمه مالا يعلم فَيُجَهِّلُهُ ذلك؛ ويُفسر أيضا بأن العلم الذي يضر ولا ينفع جهل؛ لأن الجهل به خير من العلم به؛ فإذا كان الجهل به خيراً منه فهو شر من الجهل. وهذا كالسحر وغيره من العلوم المضرة في الدين، أو في الدنيا؛ وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تفسير بعض العلوم التي لا تنفع.
الشَّرْحُ
هنا يبين المصنف – رحمه الله تعالى – أن الكتاب والسنة قد جاءا ببيان العلم النافع، والعلم الذي لا ينفع، وقد بينا – كما نص المصنف – في بيان العلم النافع، ما هو العلم النافع؛ ثم بين المصنف العلم النافع الذي لا ينتفع به صاحبُه، ثم انتقل في المرحلة الثالثة إلى بيان بعض العلوم الضارة المحضة، أو العلوم التي ضررها يغلب على نفعها، ومما يدل على أن العلم قسمان: نافع، وغير نافع الحديث الذي أورده المصنف والروايات التي أتبعها به، وهو (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها).
والرويات التي أوردها بعد ذلك؛ مما يدل على أن من العلوم ما لا ينفع ألبتة، وضرب الشيخ – رحمه الله – أمثلة لذلك؛ من ذلك:
علم السحر؛ فإنه علم ضار محض، ضرره محض ومتحقق قال الله – عز وجل – ? وَيَتَعَلَّمونَ ما يَضُرُّهُم وَلا يَنفَعُهُم وَلَقَد عَلِموا لَمَنِ اِشتَراهُ مالَهُ في الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ ?] البقرة: 102 [.
وقبل ذلك قال: ? وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ?] البقرة: 102 [.
.
فعلم السحر = علم ضار ضررا محضا، بل إنه كفر وخروج من الدين، وهو نوعان: سحر حقيقي، وسحر تخييلي.
فالسحر الحقيقي: هو الذي يؤثر في الأبدان فقد يقتل، وقد يمرض باستخدام الأرواح الخبيثة من الشياطين، وأعوانهم من أجل أن يؤثر ذلك السحر، وهذا في الغالب لا يتحقق إلا بالكفر، بعد أن يكفر صاحبه بالله كأن يسجد لغير الله، أو يهين شيئا فيه ذكر الله، أو أن يستهزئ بالدين، أو أن يترك فرضا تركه كفر، أو أن يفعل محرما مستحلا ذلك، ومجيزا ذلك، أو أن يشرك بالله، أو أن يجعل معه إلها آخر، ونحو ذلك.
أو بإهانة شيء فيه ذكر الله - جلا وعلا – فالمقصود أن السحر ضرر محض ? وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ?] طه: 69 [، ? إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ?] يونس: 81 [.
¥