5 - وعن عبد الله بن الزبير قال: "احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاني دمه قال اذهب لا يبحث عنه سبع أو كلب أو إنسان فتنحيت فشربته ثم أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ما صنعت قلت صنعت الذي أمرتني قال ما أراك إلا قد شربته قلت نعم قال ماذا تلقى أمتي منك" (أخرجه البيهقي (7/ 67، رقم 13185)، وابن عساكر (28/ 164).
ووجه الدلالة: كون الصحابي شرب الدم بدون الحاجة إليه ولم ينهه النبي ولم يأمره بإخراجه, فكيف بمن يحقن فيه الدم, وهو بأشد الحاجة إليها لإنقاذ حياته؟! فهذا أولى وأحرى.
ب- شروط مشروعية التبرّع بالدمّ:
1 - أنّ تتحقق الحاجة أو الضرورة.
2 - أن لا يكون هناك سبيل لتقويته أو علاجه إلاّ هذا السبيل.
3 - أن يغلب على أهل المعرفة انتفاع المريض بذلك, لأنه لا يخالف الأصل المذكور لأمر مشكوك فيه
4 - أن يكون التبرّع عن رضا المتبرِّع واختياره وطواعيته (انظر: الاجتهاد الفقهي للتبرع بالدم ونقله 44, فقه النوازل 2/ 52, وشفاء التباريح 106, والانتفاع بأجزاء الآدمي 164).
المسألة الثانية: بناء الأحكام الشرعية على الظن الراجح.
اتفق الفقهاء إجمالا على تنزيل الظن الراجح منزلة العلم أو منزلة اليقين في الشرعيات, وهم متفقون أيضاً على عدم ارتقاء الشك إلى درجة العلم أو اليقين.
ساق شهاب الدين القرافي في فروقه ما يفيد هذا المعنى قائلا:» بل القاعدة أن كل مشكوك فيه ملغى «(الفروق: 1/ 125).
والظن: والظن: إدراك الطرف الراجح من أمرين جائزين.
والشك: تجويز أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر عند المجوز.
ثانياً: جانب التنزيل
إنّ مسألة التبرّع بالدم لإخواننا المسلمين بأرض غزّة الجريحة, مبناه على المسألتين السابقتين.
1 - فالتبرع جائز بشروطه المذكورة, وهنا يحذر من صنيع بعض الجهات – بدافع خيري- حينما تلزم منسوبيها بالتبرّع بالدم, وهذا مخالف لشروط التبرع كما أسلفنا.
أما من جهة حاجة إخواننا في غزة إلى الدم, فغير خاف لكثرة الجرحى, من جراء الاعتداء الغاشم, وبهذا تعيّنت الحاجة, واستبيح المحظور بهذه الحاجة والضرورة.
2 - أما مسألة تيقن وصول هذه الدماء لمستحقيها, فإنّ الأمر في هذه النازلة غير متيقّن, وإنما مبناه على غلبة الظنّ.
والظن الغالب وصول هذه الدماء لمستحقيها في أرض غزّة, كما حدثني أحد الإخوة الفلسطينيين, حتى وإن تأخر وصولها, لأنّ بنوك الدم الآن تحفظ الدم لآجال طويلة.
وفي حالة عدم وصول هذه الدماء لمستحقيها من أهل غزّة, فلا شك أنّ مستشفيات البلد في حاجة دائمة لهذه الدماء لإنقاذ الأرواح, ومداواة الجراح.
وعليه فالأولى للمتبرّع أن يستصحب نيّة التبرع المطلق دون تعيين, حتى تصل إلى كلّ مستحق في أي مصر من أمصار المسلمين.
والله تعالى أعلم.
من أجوبة الشيخ: أبو يزيد سليم بن صفية