تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعادت أصوات بعض الناعقين لتكرر ـ ولما تجف دماء الفلسطينيين ـ عن حتمية قيام دولة "إسراطين"، التي تجمع بين الموحدين وأعدى أعداء الدين، في وطن يجمع بين "أحفاد إبراهيم"من الأبرار والفجار، والموحدين والملحدين، من اليهود والمسلمين، ليدمجهم على الأرض المقدسة في مجتمع واحد، لا لشيء إلا لأنهم "أبناء عمومة"!!

ولم يخجل أولئك العلمانيون الفشلة المعاندون، من تكرار الكلام عن "حل الدولتين"، دولة قوية حديثة ونووية، هي الدولة اليهودية الدينية، على معظم أرض فلسطين التاريخية، وأخرى هزيلة ممسوخة علمانية، محبوسة خلف الجدار، ومعزولة عن دول الجوار، ومهددة دائمًا بالحصار العسكري والاقتصادي، وهي دولة "سلطة أمن اليهود الوقائية"الفلسطينية، على أشلاء ما تبقى من ممتلكات المواطنين المحاطين بالمستوطنين!

بل إن المسوخ العلمانية لم تكتف بمحاولات بفرض شروط الكفار على المسلمين الفلسطينيين باسم "شروط اللجنة الرباعية"، المكونة من أمريكا وروسيا والاتحاد الأوربي والأمم المتحدة، حتى ابتكروا بجوار الرباعية الدولية رباعية عربية، يُراد منها تعريب البنود الغربية الخسيسة الخبيثة التي وُضعت كسيف مشهر على رقاب حركة حماس، حتى تُقبل ضمن المنظومة المحلية أو الإقليمية أو العالمية.

إنها الشروط التي تنص على: ضرورة الاعتراف بحق دولة اليهود في الوجود الآمن على ثلاثة أرباع فلسطين، وحتمية "نبذ العنف"بمعنى ـ إلغاء الجهاد وتجريم الاستشهاد ـ وكذلك تشترط اللجنة الرباعية الدولية الاعتراف والاحترام لكل الاتفاقات الموقعة بين الإسرائيليين وحزب المنافقين/فرع فلسطين!!

أقول: هل عرض ساستنا تلك الشروط الرباعية أو غيرها من الإملاءات الغربية على أي مؤسسة دينية علمية، قبل أن تصبح شرطًا في "الحل النهائي"للقضية الفلسطينية؟ إننا يمكن أن نذكر العشرات من أمثال تلك الاشتراطات التي تحفل بها تلك الاتفاقات، التي يقاتل على فرضها الأعداء، ويربطنا بها أدعياء المصالح القومية والثوابت الوطنية، حتى صرنا أمة مكبلة بمنظومة كاملة من الإملاءات المتعاقد عليها بمعاهدات واتفاقات، تهدف كلها إلى إبقائنا في ذيل الأمم، مذلولين حتى لأذل الأمم، أمة اليهود الغضبية المسنودة والمشدودة ـ في ذلتها ـ بأحبال الصليبيين وأوليائهم المنافقين.

وحتى لا أطيل في تفاصيل ذلك الواقع الأسيف؛ فإني أناشد قادة الأمة الحقيقيين من العلماء الربانيين، أن يبادروا من الآن لاستعادة حقهم ـ بل واجبهم ـ في الإمساك بالزمام من الأمام، على الأقل من ناحية البلاغ والبيان لحكم الشريعة فيما يُبرم ويُعقد باسم الشعوب، وما يُتفق عليه دون علمها وفي معزل عن رأي علمائها وولاة أمرها.

إن أهل العلم مطالبون بانتفاضة مفاهيمية، وهبة منهجية، في صحوة علمية لا تقل حاجة الأمة إليها عن تلك الانتفاضات الجماهيرية، والصحوات الشعبية، التي فجرتها أحداث غزة، والتي أثبتت أن جماهير الأمة حية، وإن كانت قابلة للخداع ومن ثم الرجوع والانصياع إلى الأوضاع التي ثارت لأجلها، وملأت الشوارع صخبًا من أجل تغييرها.

فأنا أكاد أجزم أن غالبية جماهير الأمة المختارة، لا تزال تائهة محتارة، في فهم أبعاد ذلك المكر الكبار، الذي تدور به الأمور في دهاليز الساسة الكبار، عربًا وعجمًا؛ والسبب الأصيل في استمرار ذلك الانخداع، هو ذاك الستار الحديدي الشديد، المفروض على أصحاب القرار الأصليين لعزلهم عن مواطن القرارات المصيرية، وهو ـ في رأيي ـ الحصار الأقدم والأخطر، الذي لا يقل خطورة عن حصار أهل غزة المستضعفين.

كسر الحصار

لابد من كسر ذلك الحصار المفروض كرهًا أو طوعًا على أكثر علماء الأمة ودعاتها وأهل الفكر والرأي فيها، بالمبادرة إلى إعلان المواقف الصحيحة بطريقة صريحة، ليشمل ذلك كل الحصاد المر للعلمانية، نظريًّا أو عمليًّا، إن ذلك هو السبيل الوحيد لتفكيك منظومتها اللادينية، وإنهاء سطوتها القهرية، وتفرد سلطتها بكل شئون أمتنا الإسلامية، ولامناص هنا من استخلاص العبرة مما حدث في غزة، عندما استبد الساسة من كل طرف برأيهم فيما ليس من شأنهم، من تقرير ما يجوز وما لا يجوز من السياسات والاتفاقات والتحركات التي فُرضت نتائجها على الأمة كلها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير