تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بداية كسر ذلك الحصار على علماء الأمة ـ في رأيي ـ هي أن يخرجوا من صمتهم أو إصماتهم، بأن يدلوا بدلوهم بكل وضوح، لبيان حكم الله في تفاصيل ما دار ويدور من وراء ظهورهم، أو أمام أعينهم ولكن بغير إقرارهم ولا رضائهم، ليشمل ذلك كل ما يُراد تثبيته من باطل وكل ما يُراد إخفاؤه من حق، إذ لابد من إعلام الأمة بحقيقة حكم الله في كل المقدمات الأثيمة التي أدت إلى تلك النتائج الوخيمة في مصاب غزة، وما بعدها وما قبلها، وما سواها.

ولكن لأننا لا نزال نعيش أجواء تلك الأزمة؛ فمن المناسب البدء بنازلتها، حيث لا يزال دخان نارها مشتعلًا في القلوب، ولا تزال مشاهد فجيعتها مخيمة في الضمائر وساكنة في العيون، ولا شك أن أزمة غزة التي لا تزال مستحكمة؛ يرتبط بها العديد من مجمل قضايا الصراع على أرض فلسطين، ولذلك سأضرب أمثلة لمسائل ونوازل ومشكلات، تنتظر من أهل العلم كلمة حق مبين، يظهر حقيقة ما يتحرك به أولئك السياسيون دون دين، فلم تعد التحليلات السياسة، أو التحقيقات الإعلامية وحدها كافية، بل لابد من تكييف فقهي، وتعريف شرعي بحقيقة ما يدور حول الناس ويلتف على أعناقهم، ويهدد مستقبل أجيالهم.

والمطلوب هنا التجرد لصالح الأمة، فسواء كانت كلمة الحق على الساسة أو لهم، فالأصل أن على الجميع الوقوف عند حدود الله، والتعامل مع المواقف وفق شريعة الله، فما يجري التشاجر حوله، لا خيار في حله إلا بتحكيم كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم، ما دام الجميع يقولون إنهم مسلمون؛ {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].

وهذه بعض الأمثلة مما يُنتظر إظهارها، ببيان موثق أو بحث محكم أو فتوى معتمدة، وبخلاف ذلك؛ وبالاستمرار فيما هو دون ذلك ـ يا أهل البلاغ ـ نكون نحن الذين أعطينا الدنية في ديننا، وتبرعنا لغيرنا بإدارة أخص شئوننا.

أولًا: وجد حصار غزة وما حدث فيه من تواطؤ ومشاركة، من يتكلم فيه من أهل العلم بكلمة حق غير مسبوقة، وذلك في كلمة تحت عنوان "بيان علماء الأمة في مظاهرة اليهود على المسلمين في غزة"، وقد كان ذلك البيان نقلة نوعية في إثبات المواقف الشرعية، بدلًا من النداءات الاستجدائية والبلاغات الإعلامية.

لكن هناك "حصارات"أخرى على كل فلسطين، مستمرة منذ عشرات السنين، تنتظر تفصيلًا في أحكامها، وبيانًا لحكم الشريعة فيمن يصر على فرضها بعد بيان حكمها، وأخطر ذلك، هذا الحصار المفروض على الحدود منذ عدة عقود محيطًا بكل الأرض المقدسة لحماية الدولة اليهودية، من أي محاولات جهادية من شأنها مواجهة العدو المعتدي، لاسترداد شيء من الحق المغتصب، أو المقدسات والحرمات المهانة، فنحن أمام أربع أنظمة عربية لها حدود مع دولة اليهود، ولكن تلك الحدود كلها مؤصدة في وجه أي تسريبات تضامنية ـ مالية كانت أو عسكرية ـ ضمن تشديدات مؤكدة ومقيدة باتفاقيات سرية أو علنية.

وتلك بذاتها نازلة قديمة مقيمة منذ أن تولت "دول الطوق"ـ افتراضًا ـ مهمة تطويق العدو لمحاصرته، غير أنها أصبحت تطوق ما حوله بجدار أمني عربي "رسمي"، لا يسمح منذ عقود طويلة بأي نفاذ مؤثر ـ ولو كان محدودًا ـ يمكن أن يرعب اليهود يومًا، أو يخفف من وطأة استفرادهم بإخوتنا داخل الحدود، وهو ما حول دول الطوق تلك إلى حرس حدود لدولة اليهود، بذريعة الصالح الوطني المحلي، أو الأمن القومي والإقليمي!!

هل من حقنا في ضوء ذلك أن نطالب إخواننا الفلسطينيين ـ وهم يضحون بكل ما يملكون ـ بمزيد من الصمود والصبر في الوطن المسجون؟ وهل يسع علماء الأمة ودعاتها السكوت على منكر حصارهم العسكري من الخارج والداخل إلى ما لا نهاية، ثم يضجون محتجين على استفراد أعدائنا بالمستضعفين من أهلنا؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير