تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما أنا فقررت أن أطلق عليه لقب "أرسطو" فوافق على ذلك وقال لي: ولكن بشرط، فقلت له: تفضل والمؤمنون على شروطهم. فقال لي: بشرط أن ترضى أن ألقبك بـ "حنبل"!

قلت له: كل الشرف أن تلقبني برمز أهل السنة، فقال لي: وأنا أتشرف بأن تلقبني برمز العقل في التاريخ.

فقلت له: الحمدلله .. مادام أنه لايضايقك فدعني أستعمله ياعزيزي "أرسطو".

أتذكر مرةً أننا كنا نتحاور عن مشكلة غياب المشاركة الشعبية في نظامنا السياسي المحلي، وأخذ كلٌ يدلي بسنارته في بحر هذا الموضوع الواسع، فقفز علينا "أرسطو" قائلاً: الصحوة .. الصحوة .. هي المشكلة، فالصحوة تكرّس الاستبداد، وتعزز قيم ومفاهيم الطاعة المطلقة لولي الأمر، وتشتم الديمقراطية، وتناهض كل حركات المعارضة كالمسعري والفقيه والدستوريين الخ ولذلك صار ولي الأمر مبتهجاً بهذه الصحوة التي تكرس انفراده بالسلطة وتقمع منافسيه السياسيين وتشتغل على ترويض المجتمع للانصياع للسلاطين، صدقوني: الصحوة باختصار مجرد أداة لتكريس الاستبداد والخنوع التام لولي الأمر وتقبيل قدميه، ولذلك يدعمها السياسي ويوفر لها النفوذ الاجتماعي المطلوب.

المهم .. تبدل مسار حوارنا إلى موضوعات أخرى وتحدثنا عن محاولات تفجير المنشآت النفطية في المنطقة الشرقية، والموجّهات التي تدفع إلى هكذا أفكار، فضرب صاحبي "أرسطو" بيده على الطاولة وقال بنبرة اكتشاف وهو يرقّص حاجبيه: فتش عن الخطاب الصحوي ياعزيزي!

توقف الجميع ليستمعوا لشرح هذا المانشيت!

فاستكمل "أرسطو" قائلاً: ياعزيزي الصحوة تضخ مفاهيم سياسية تمردية خطيرة جداً، فهي تتبنى التكفير الذي هو السلاح الأساسي للعصيان السياسي، وتدافع عن ظواهر "الخروج" على السلطة في التاريخ الاسلامي القديم والمعاصر، وتتبنى ترميز وتعظيم وتضخيم الشخصيات التي ناهضت السلطة كسلطان العلماء العز بن عبدالسلام ونحوه، ولهم دراسات كثيرة في مجلة البيان السلفية يجمعون فيها الشواهد السلفية التي تعزز شرعية الإنكار العلني على ولي الأمر، ويتحدثون برومانسية عن اعتقال الإمام أحمد وهجره لابنه بسبب علاقته الإيجابية مع السلطان، والاعتقالات المتعددة لابن تيمية (وهما أهم شخصيتين على الإطلاق في العقل السني المعاصر)، ويتحاشى الصحويون في خطبهم يوم الجمعة الدعاء لولاة الأمور، ولايذكرون بتاتاً أحاديث الطاعة لولي الأمر برغم أنها في الصحيحين، ويتهمون أي شخصية موالية للسلطة وتذيع هذه الأحاديث بأنه "جامي" وهو أقذع وصف في العقل الصحوي، ولايفضلون اسم "السعودية" ويفضلون أن يقولوا "جزيرة الإسلام" أو "بلاد الحرمين" ونحوها من الأوصاف التي تتحاشى الإقرار الضمني بالولاء للأسرة الحاكمة، وناشطون بشكل مذهل في كل الجبهات الجهادية كأفغانستان والبوسنة والشيشان والعراق وغزة، وانظر لأناشيدهم الحماسية التي يتداولونها كيف تقوم بتعبئة الشباب وتهييجهم. وكل الشخصيات التفجيرية هم تلامذة سابقون للصحوة، فالصحوة ياعزيزي هي -أولاً وأخيراً- حركة تكفير وتفجير وخروج على السلطة.

طبعاً .. أحد الأصدقاء كاد أن ينقلب على قفاه بسبب الضحك .. والآخرون اكتفوا بكظم تبسمهم المتفلت، وأطرق صديقي "أرسطو" لأنه شعر أن ثمة مايخجل لكنه لم يكتشف بالضبط مصدره، أما أنا فتشجعت وسألته:

عزيزي أرسطو .. قبل قليل كنت تقول أن الصحوة حركة تكرس الإستبداد والطاعة المطلقة لولاة الأمور وتذكر الشواهد على ذلك، والآن ياعزيزي تقول أن الصحوة حركة تكفير وتفجير وخروج وتمرد على السلطة. ممكن ياعزيزي أرسطو تشرح لي كيف يجتمع هذين النقيضين؟!

هل علمت الآن ياصديقي أرسطو لم كان الأصدقاء يتندرون عليك بلقب "مفكر ابوسيدين"؟! أهم شرط للخطاب العقلاني هو "عدم التناقض" وأنت حديثك كله سلسلة من المتناقضات يرفس بعضها ركاب بعض!

ومع ذلك كله .. فهل تصدق عزيزي القارئ .. أنني إلى الآن لا أعرف بالضبط هل استوعب صديقي أرسطو أنه كان متناقضاً في هاتين الفكرتين، أم لازال يتوهم أنهما كلتاهما صحيحتان، وأن الصحوة حركة تدعم الطاعة المطلقة لولاة الأمور وتدعم الخروج عليهم في ذات الوقت؟!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير