تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فليتك تفكر قليلاً ياعزيزي أرسطو، ثم تحدد لي بالضبط وجهة نظرك، هل أنت ترى الصحوة (تقدس التراث) أم هي منهمكة في (نقد التراث)؟

خرجنا من المكتبة وذهبنا إلى أحد الاستراحات شرق الرياض حيث كنا مدعوين لأمسية فكرية لمجموعة شباب مهتمين بالقضايا الفكرية، وبينهم وبين صديقي أرسطو علاقة عضوية مسبقة، وصلنا إلى هناك وكانت المظاهر غير غريبة، فالقهوة والشاي والفطائر والمعجنات هي هي التي تراها في كل مجلس سعودي، ربما أكثر شئ شدني الحجم المبالغ فيه لشاشة التلفاز! لقد كانت كبيرة كأنما صممت لتكون شاشة إعلانات فوق أحد الإشارات وليست شاشة عادية لمشاهدة البرامج!

المهم، بدأت الجلسة بشئ من المجاملات ثم ناقشنا تقريباً كل الملفات الفكرية السعودية، كنت متلهفاً لأرى أبعاد ومدى قناعاتهم أين وصلت بالضبط؟ أو بمعنى أدق كنت أريد أن أعرف هل هم من الشريحة التي تغلف الأفكار العلمانية الغربية بثوب إسلامي وشواهد تراثية، أم هم من الشريحة التي تعبت من التلفيق التراثي وضعف جدواه وقررت مكاشفة نفسها والوضوح مع الذات وأقرت بأن العلمانية الغربية والاسلام متفاوتان برغم انحيازهم للعلمانية الغربية؟

وبينما كانت الحوارات الفكرية تطوح بنا في كل اتجاه؛ تحدث أحد الجالسين عن مقالة أعجبته للكاتبة في جريدة الوطن ليلى الأحدب وهي تدعوا فيها إلى الاختلاط وتنقد المطاوعة.

فقال صديقي أرسطو: مشكلة الفكر الديني أنه لن يتقبل هذه المقالة، أتدري لماذا؟! بكل بساطة لأنه ينظر إلى المرأة باعتبارها كائن مثير جنسياً، فلا يتعامل الفقهاء معها إلا على أساس منطق الرغبة ولغة اللذة. والتفت ناحيتي وواصل حديثه: المرأة ياصديقي خليل "إنسان" أولاً وقبل كل شئ.

المهم .. جلسنا شوي وبدأ الكلام حول بعض المحطات الفضائية، وتفاوت الجزيرة والعربية وغيرها في تغطية أحداث غزة هذه الأيام، ولا أدري كيف سحب الكلام صديقي أرسطو وبدأ يتحدث عن جمال مذيعات إحدى القنوات، ويصف أجسادهن واحدة واحدة، ولم يقصر الموجودون في المشاركة .. وتدهور المجلس أكثر وأكثر وصاروا يقارنون بين المذيعات والمطربات ونجمات السينما ودخلوا في تفاصيل تنبو عنها مروءة الأسوياء ..

المهم أنني تعمدت أن أترك صديقي أرسطو حتى يسترسل في توصيفاته الشهوانية لأجساد المذيعات ونحورهن ونبرات أصواتهن وهمساتهن للمتصلين .. ففاجأته وهو في خضم شخيره الشهواني: أرسطو .. سلامااات!! قبل قليل كنت تنتقد الاسلاميين لأنهم يعاملون المرأة ككائن جنسي .. وأنت الآن غارق في التلذذ والتأوه على خيال المذيعات! هل هذه هي خواتيم مجالس الليبراليين .. يفتتحون أمساتهم بشتم الصحوة ثم ينتقلون للشأن السياسي اللبناني ثم يختمون السهرة بسفاد الصورة؟!

يا أخي الفقهاء –على الأقل- تعاملوا مع المعطى الجنسي في حدوده المشروعة، لكنك أنت وأصحابك فضلتم العهر على نقاء المشروعية.

وحين انتهى العشاء وغادرنا الأمسية الفكرية .. قال لي أرسطو ونحن بالسيارة: ياعزيزي خليل أحس أن حنبليتك اليوم كانت مركزة شوي، لأني أحس أنك آذيت الشباب يوم انتقدتهم على تقييمهم الطبيعي لجمال المذيعات.

فحين سمعت كلامه هذا خرجت عن طوري وصرخت في وجهه: والله ياأرسطو أنك ماتستحي من جد .. لا أدري كيف تنسجم مع نفسك وأنت تقضي ليلك مع أصحابك "المفكرين العظام أصحاب الحلول" في التلذذ بذكر الفنانات والمذيعات وفتيات الغلاف والتوصيفات الشبقية لقسماتهن، ثم تأتي في مجلس آخر ولاتجد أي غضاضة بأن تتظاهر بالملائكية وتنتقد الفقهاء لأنهم يرون المرأة "كائن جنسي" لأن فتاواهم تتضمن بعض الحواجز بين الجنسين!

بصراحة كنت متشككاً في فتاوى بعض الفقهاء، لكن حين رأيت سلوكياتك أنت وأصحابك قلت في نفسي: "والله إنهم مقدين فيكم" ويبدو أن الفقهاء ما أفتو بمثل تلك الفتاوى إلا لأنهم يعرفون أن هذه حقيقتكم، إذا كان هذا سلوك من يتظاهر بالتعامل القيمي مع المرأة فكيف بمن لايبالي أصلاً بمثل هذه المفاهيم!!

ضحك صاحبي أرسطو لتلطيف الجو .. وقال: ياحبيلك ياحنبل .. إذا كنت مستكثر على زملائي هؤلاء سواليف المذيعات .. أجل ماشفتهم يتجاكرون في علاقاتهم اللايف مع المعرّفات الأنثوية في المنتديات! والله إنك على وجهك ياحنبل!!

سكتُّ قليلاً .. ثم قلت بتهكم: أجل المرأة "إنسان" يا أرسطو!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير