[رسالة عاجلة إلى الزوجين]
ـ[أبو عبيدة الوراقي]ــــــــ[10 - 02 - 09, 08:57 ص]ـ
[رسالة عاجلة إلى الزوجين]
كتبه/ محمد الجهمي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فلا شك أن من أعظم نِعم الله وآياته أن جعل البيتَ هو المأوى والسكنَ؛ في ظله تلتقي النفوسُ على المودة والرحمة، والحصانة والطهر، وكريم العيش والستر، في كنفه تنشأ الطفولة ويترعرع الأحداثُ، وتمتد وشائج القربى، وتتقوَّى أواصرُ التكافل.
ترتبط النفوس بالنفوس، وتتعانق القلوب بالقلوب ?هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنّ? [البقرة:187]، في هذه الروابط المتماسكة والبيوتات العامرة تنمو الخصال الكريمة، وينشأ الرجال الذين يؤتمنون على عظيم الأمانات، ويُربى النساء اللاتي يقمن على أعرق الأصول.
غير أن واقع الحياة وطبيعة البشر -كما خلقهم الله سبحانه وهو أعلم بمن خلق- قد يكون فيها حالات لا تؤثر فيها التوجيهات، ولا تتأصل فيها المودة والسكن مما قد يصبح معه التمسك برباط الزوجين عنتا ومشقة؛ فلا يتحقق فيه المقصود، ولا يحصل به صلاح النشء، وهذه الحالات من الاضطراب وعدم التوافق تكون بواعثها داخلية أو خارجية.
فقد ينبعث من تداخل غيرِ حكيم من أولياء الزوجين أو أقاربهما أو تتبع للصغير والكبير من أمورهما، وقد يصل الحال من بعض الأولياء وكبراء الأسرة إلى فرض السيطرة على من يلون أمرهم؛ مما قد يقود إلى الترافع إلى المحاكم فتفشو الأسرار، وتنكشف الأستار، وما كان ذلك إلا لأمر صغير أو شيء حقير قاد إليه التدخل غير المناسب، والبعد عن الحكمة والتعجل والتسرع وتصديق الشائعات وقالة السوء.
وقد يكون منبع المشكلة قلةُ البصيرة بالدين، والجهلُ بأحكام الشريعة السمحة، وتراكمُ العادات السيئة، والتمسكُ بالآراء الكليلة؛ فيظن بعض الأزواج -مثلا- أن التهديد بالطلاق أو التلفظ به هو الحل الصحيح للخلافات الزوجية والمشكلات الأسرية، فلا يعرف في المخاطبات سوى ألفاظ الطلاق في مدخله ومخرجه، وفي أمره ونهيه، بل في شأنه كله، وما درى أنه بهذا قد اتخذ آيات الله هزوا، يأثم في فعله، ويهدم بيته، ويخسر أهله، هل هذا هو الفقه في الدين؟!
إن طلاق السُنَّة الذي أباحته الشريعة لا يُقصَد منه قطع حبال الزوجية، بل قد يقال: إنه إيقاف لهذه العلاقة، ومرحلة تريث وتدبر ومعالجة ?لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا. فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ? [الطلاق:1 - 2].
هذا هو التشريع، بل إن الأمرَ ليس مقتصرا على هذا، إن طلاق السنة هو الوسيلة الأخيرة في المعالجة وتسبق ذلك وسائل كثيرة.
فحينما تظهر أمارات الخلاف وبوادر النشوز أو الشقاق فليس الطلاق أو التهديد به هو العلاج، إن أهم ما يطلب في المعالجة: الصبر والتحمل، ومعرفة الاختلاف في المدارك والعقول، والتفاوت في الطباع مع ضرورة التسامح والتغاضي عن كثير من الأمور، ولا تكون المصلحة والخير دائما فيما يحب ويشتهي، بل قد يكون الخير فيما لا يحب ويشتهي ?وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا? [النساء:19].
ولكن حينما يبدو الخلل، ويظهر في الأواصر تحلل، ويبدر من المرأة نشوز وتعالٍ على طبيعتها، وتوجه إلى الخروج عن وظيفتها، حيث تظهر مبادئ النفرة، ويَتَكَشَّفُ التقصيرُ في حقوق الزوج والتنكُّر لفضائل البَعْل، فعلاج هذا في الإسلام صريح ليس فيه ذكر للطلاق لا بالتصريح ولا بالتلميح؛ يقول الله -سبحانه وتعالى-: ?وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا? [النساء:34]، فيكون العلاج بالوعظ، والتوجيه، وبيان الخطأ، والتذكير بالحقوق، والتخويف من غضب الله ومقته، مع سلوك مسلك الكياسة والأناة ترغيبا وترهيبا.
¥