تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الولاية والذكر والشهرة خطرها وافتتان الناس بها]

ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[26 - 02 - 09, 11:51 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم , مالك يوم الدين

اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه اجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الولاية والذكر والشهرة

خطرها وافتتان الناس بها

الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل

المصدر: أُلقيت بتاريخ: 24/ 2/1430هـ

الحمد لله العليم القدير، مالك الملك، ومدبر الأمر؛ {لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} [الحديد: 5]، نحمده حمدًا يليق بجلاله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يرفع ويخفض، ويُعِزُّ ويُذِلُّ، ويعطي ويمنع، ولا يُسأل عما يفعل.

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، كان في قلبه مِن تعظيم الله - تعالى - وإجلاله ما لم يبلغه قلب غيره، فهو أتقى الناس، وأكثرهم حبًّا لله - تعالى - وخشية وخوفًا ورجاء، حدَّث ذات مرة عن ربه - تبارك وتعالى - فاهْتَزَّ، حتى كاد أن يسقط به المنبر، فقال: ((يَأْخُذُ الله - عز وجل - سَمَوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ، فيقول: أنا الله - ويقبض أصابعه ويبسُطُها - أنا المَلِكُ) قال ابن عمر: "حتى نَظَرْتُ إلى المِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ من أسفل شَيْءٍ منه، حتى إني لَأَقُولُ: أَسَاقِطٌ هو بِرَسُولِ الله؟ "؛ صلَّى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، علَّقوا قلوبَهم بالله - تعالى - وابتغَوا الدار الآخرة، فجاءتهم الدنيا وهي راغمة، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله - تعالى - وأطيعوه، واشكروه على نعمه، واحمدوه على هدايته ورعايته وكفايته؛ فإن فضل الله - تعالى - عليكم عظيم، وخيره فيكم كثير؛ {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34].

أيُّها الناس:

طَلَبُ الجاه والرفعة، والمال والشهرة، وعُلُو المنزلة - أمنيةٌ يتمناها أكثر الناس، ويسعَون جهدَهم لها، ويبذلون الغالي والنفيس لأجلها، وللجاه سكرةٌ تفوق سكرةَ الخمر، وشهوة تزيد على اشتهاء النساء؛ إذ بالجاه والرِّئاسة يُعرف الرجل الخامل ويُذكَر، فيبزُّ أقرانه، وينفع إخوانه، ويغيظ أعداءه؛ وبما يملك من جاه، ويتبوأ من رئاسة تَخضع له أعناقُ الرجال، ويذل له الشجعان، ويرجوه الطامعون، ويهابه الكارهون.

إن الإنسان يحب الذِّكر والشهرة، والثناء والمدح، وهو مخلوق من نطفة قذرة، ويحمل في بطنه العَذِرَةَ، ويكون بعد موته جيفة منتنة، إنه عاش أحقابًا بلا ذِكر، ويحب أن يُذكر ويُشهر، وقد خلَتِ القرون ولم يعرفه أحدٌ، ويحب أن يُعرف، لم يختلَّ نظام العالم قبل وجوده، ولم يتغير بعد وجوده، ويموت يوم يموت والدنيا هي الدنيا، وأحوالها هي أحوالها، ولقد مات قادة البشر وعظماؤهم ومشاهيرهم، وبَكَاهم الناسُ، ولم يتغير شيء من الكون بموتهم؛ {أَوَلَا يَذْكُرُ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} [مريم: 67]، وفي آية أخرى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان: 1]، هذا الذي لم يكن شيئًا مذكورًا مفتون في أن يُذكر ويُشهر، فما أظلمَه! وما أطغاه! {قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} [عبس: 17].

والمتأمِّل في النصوص، يجد أن العبد من مَحبَّته للشهرة والذِّكر؛ قد يعمل أعمالاً صالحة جليلة، لا يبتغي بها إلا ذِكرَ الناس له، وثناءهم عليه، واحتفاءهم به، كما جاء في الحديث: "الرجل يُقاتِلُ لِلذِّكْرِ، والرجل يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ"، وفي خبر الثلاثة الذين يُسحبون على وجوههم إلى النار، يُقال للمجاهد منهم: ((قَاتَلْتَ؛ لأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ) ويقال للعالم منهم: ((تَعَلَّمْتَ العِلْمَ؛ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ؛ لِيُقَالَ: هو قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ) ويقال للمنافق منهم: ((فَعَلْتَ؛ لِيُقَالَ: هو جَوَّادٌ، فَقَدْ قِيلَ)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير