انه يقول ان اكثر من نصف المرضى الذين يؤمون عيادات الاطباء يشكون الامساك والصداع والقرحة وارتفاع ضغط الدم ليسوا مرضى في اجسادهم، ولكن المرض في اعصابهم المرهقة، وهو يصف حالات كثيرة رآها، واعجب من ذلك انه رأى مرة بنتا بارعة الجمال جاء بها اهلها من بلد بعيد محمولى على محفة (نقالة) لان في رجلها شللا اصيبت به من سنتين اعجزت مداواته اطباء بلدها، ويقول انه رآها هو ومساعدوه فلم يجدوا في رجلها علة، فسدد نظرة خارقة الى عيني البنت وقال لها بصوت عميق لايحتمل معارضة: قومي وامشي على رجليك.
وخيم الصمت على الغرف، وبدت على وجه الاب علائم الغضب المكتوم، وتكلمت الام واحتجت، ولكنه ثبت،فاستجابت البنت ومدت يدها اليهافتناولها واعانها على القيام فمشت في الغرفة، ثم خرجت الى الردهة وهو معها، حتى اوصلها الىباب المستشفى وتركها تمشي وحدها في الشارع، وهو يعلل هذهـ الحالة التي تبدو كانها من الخوارق، بأنها كانت في الاصل مرضا وهميا سببه الاعصاب.
وليست ثمرة تعب الاعصاب الصداع وعسر الهضم والامساك فقط، ولا القرحة وارتفاع الضغط ومرض السكر، بل ان من ثمراته المرة سوء الخلق،وضيق الصدر، والخلاف بين الزوجين، والمشكلات مع الناس، وسببه التوتر العصبي الدائم الذي جاءتنا به هذه الحضارة المادية الصاخبة.
انا اسكن في دار في راس الجبل معتزلة هادئة، لااكاد اسمع فيها نعيب سيارة ولا نواح راد، فذهبت شهرين الى مصر، فنزلت فندقا كبيرا بين ستة شوارع، فيه الترامات ترج الارض اذا مشت والسيارات توقظ الموتى اذا زعقت، والباعة يصرخون والى جنبه عمارة تبنى فيها الطرق والخبط وخلال ذلك عشرون رادا تصرخ وتولول بأشد صوت وانكرهـ، يمتد هذا البلاء من الصباح الباكر الى قريب الفجر.
فاحتملت الليلة الاولى، وتضعضعت الثانية، وبدأت احس الليلة الثالثةانني انهار، ولو بقيت في هذا الفندق لانهارت اعصابي فعلا.
هذامثالنا كان الناس يعيشون في القرى والمدن الصغيرة، حياتهم هادئة وجوهم ساكن ومشكلاتهم قليلة، فاتسعت المدن وصعبت الحياة وصخب الجو وكثرت المشكلات وكان الليل كما خلقه الله للنوم والراحة، فصار الليل للهو او للعمل كان اباؤنا يغلقون دكاكينهم من العصر يقنعون بما رزقوا فيتعشون قبل المغرب ن ويقومون بعد الفجر او قبل الشمس، اجسادهم مستريحة واعصابهم هادة فصرنا نتعشى الساعة الحادية عشرة وننام في الواحدة ونستيقظ في التاسعة، اردنا ان نبدل سنة الله في الوجود (وسنة الله لاتبدل) فبدل الله صحتنا سقما وراحتنا تعبا.
هذهـ واحدة، ان السعر كما يقول جاكسون: هو السبب الاول لمرض الاعصاب، ولايقل احد اني انام الى الضحى فأعوض مافاتني من نوم الليل فليس الامر بعدد الساعات، وان نوم ساعة واحدة من اول الليل لايعدلها نوم ساعات من الصباح – وفي احدى الدراسات ثبت ان نوم ساعة بعد العشاء مباشرة يعادل (3) ساعات،وفي دراسة اخرى يعادل (6) ساعات.
ثم ان في السهر خسارة لاتتعوضض وليس يدلاك مقدارها الا من يصحو مرة قبل الشمس ويرى جمال الدنيا في تلك الساعة ويبصر مايحس به من النشاط والانتعاش ثم ان السهر مخالفة للشرع واضاعة لصلاة الصبح.
والثانية: كثرة المشاغل والمشكلات، لذلك يصاب رجال المال والاعمال في اميركا بقرحة المعدة التي لايدري بها ولا يعرفها العامل ولا الفلاح، واذا كان في العمل الكثير ربح مال وفير فان فيه خسران الصحة، فهل يعوض المال الصحة وهل يفي وجوده بفقدها؟
وماقيمة الملايين اذا كان صاحبها لايستطيع ان يأكل ولا ان يشرب وكان طعامه الخضر المسلوقة والحليب؟ اهذهـ حياة؟ اهذا غنى؟
الفقر والله خير من هذا الغنى اذا كان الفقير يأكل مايريد وهذا الغني محروم من كل شئ.
والثالثة: في رأي الدكتور جاكسون: التدخين، والرابعة: القهوة.
ورأس الامر كله هو راحة الفكر والبعد عن اهم والقلق والحصر وكم من مريض يشكو عللا مختلفات ومابه مرض، ماهو الا الحصر وشغل الذهن، ان الهم الخفي ينخر الاعصاب كنخر السوس الخشب، لايحس به الانسان حتى يفتش عنه.
ورب رجل يشكو سوء الهضم لاستطيع ان يأكل في معدته قرحة وفي ضغطه ارتفاع وفيه مرض السكر، ومنشأ ذلك كله هم في نفسه: هم العلم او هم الحذر من الافلاس، او الخوف من العزل يزيده ضررا السهر والتدخين وشرب القهوة.
هو شقي في عمله شقي في بيته مخاصم لامرأته، قد اشرف الامر بهما على الطلاق وهي تشكو الامساك المزمن والصداع وضيق النفس ونقص الوزن تضجر من اولادها وتعاقبهم بلا ذنب وتضيق بالخاددمة وتشتمها، ولاتحمل من زوجها كلمة حتى يظن انها شرسة الخلق ومابها الامرض الاعصاب.
ولايحتاج كلاهما – على راي د. جاكسون- الا الى الراحة والاسترخاءوالبعد عن ضجيج المدن، الى هدوء القرى والاعتدال في الشغل، وان يعود الى داره كما يعود الموظفون وان يجعل لنفسه اياما للراحة، والاقلال من الحفلات والولائم والتبكير في النوم وفي القيام والاقلال من التدخين ومن المنبهات كلها، القهوة والشاء والكولا.
هذهـ وصفة اعظم طبيب للاعصاب في العالم اليوم.
وازيد انا على ذلك شيئا اخر هو تجديد الايمان، والاتصال بالله والشعور بحلاوى المناجاة، ولذة الصلاة والناس نيام، ومتعة الدعاء بالاسحار.
انه ليس في الوجود شئ تصفو به النفس وتستريح الاعصاب ويكون منه السعادة الدائمة والهناء كالايمان، ومن جرب عرف ومن اراد ان يعرف فليجرب. صـ (90)
¥