تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال جل وعلا - على لسان خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام -: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ - يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ - إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}

وفي الصحيحين من حديث النعمان بن بشير 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:

الْحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِيِنِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِى الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ. أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى الله فِى أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ،

أَلاَ وَإِنَّ فِى الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ. أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ.

فالقلب هو ملك الجوارح الذي إذا صلح صحلت كل الجوارج، وإذا فسد فسدت كل الجوارح، وهذا القلب الذي هو ملك الجوارح تفسده الذنوب والمعاصى، تلقى عليه ظلمات الشهوات والهوى.

كما ثبت في الصحيحين من حديث حذيفة بن اليمان 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ: أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَذْكُرُ الْفِتَنَ؟

فَقَالَ قَوْمٌ: نَحْنُ سَمِعْنَاهُ.

فَقَالَ: لَعَلَّكُمْ تَعْنُونَ فِتْنَةَ الرَّجُلِ فِى أَهْلِهِ وَجَارِهِ.

قَالُوا: أَجَلْ.

قَالَ: تِلْكَ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ، وَلَكِنْ أَيُّكُمْ سَمِعَ النَّبِىَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَذْكُرُ الْفِتَنَ الَّتِى تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ؟

قَالَ حُذَيْفَةُ: فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ.

فَقُلْتُ: أَنَا.

قَالَ: أَنْتَ لِله أَبُوكَ.

قَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَىُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَىُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ؛ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ.

ولذا كان عناية سلفنا الصالح بقولبهم أشد عناية، فهم يطهرونها من أمراض الحقد والغل والحسد والرياء والعجب والشهرة والضغينة، ثم هم يزكونها بالصلاة والصيام وبالصدقة والقيام فهذا ... الإمام محمد بن سيرين رحمه الله، كانت له ثروة عظيمة من العسل، وكان له منها ما يقارب الستمائة برميل من العسل، وفي يوم من الأيام وجدوا فأرة في أحد البراميل، والحكم الشرعي أنه إذا وقعت الفأرة في الشيء المائع أي السائل (كالزيت والعسل واللبن مثلا)، طرح ورمي هذا السائل، وإذا وقعت الفأرة في الشيء الجامد الصلب (كالسمن مثلا) فيرمى الفأرة وما حولها،

فلما وقعت الفأرة في برميل من براميل عسل محمد بن سيرين، استخرجوا الفأرة من البرميل، ثم إنهم نسوا في أي البراميل كانت هذه الفأرة، فكان من ورع محمد بن سيرين أن رمي ببراميل العسل كلها، وكانت مصيبة عظيمة، افلس منها محمد بن سيرين.

فقيل له في ذلك: إنها لخسارة عظيمة.

فقال محمد بن سيرين: هذا ذنب أنتظر عقوبته منذ أربعين سنة.

فقالوا له: وما هذا الذنب؟

فقال: عيرت رجلا وقلت له يا فقير.

سبحان الله محمد بن سيرين ينتظر ذنبا منذ أربعين سنة، قلت ذنوب القوم فعرفوا من أين أتوا، وإن تعجب فاعجب من حال القوم مع تقواههم وزهدهم وورعهم، وإن تعجب فاعجب من حالنا مع التقصير والتفريط!!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير