وما نقص قوم المكيال والميزان إلا ابتلاهم الله بالسنين، والسنين جمع سنة، والسنة هي القحط والجفاف، وشدة المؤنة أي وضيق العيش، وجور السطان أي وظلم الحاكم، وهذا كله والله مشاهد،
ما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا مطر السماء، ولكن لولا البهائم التى تحيا بالماء ما مطر هؤلاء القوم المانعين للزكاة،
ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذ بعضا مما في أيديهم، ووالله الأمة الآن قد نقضت عهد الله وعهد رسوله، فأذلها الله جل وعلا لأحقر أمم الأرض من أحفاد القردة والخنازير، فها هي ثروات المسلين تسرق وتنتهب ليل نهار سرا وعلانية، من دون أي مقابل، ولا حتى نكير، والله ربنا المستعان.
وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ولم يتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم، فوالله الأمة الله قد غيرت وبدلت ونحت شرع الله، فجعل الله بأسننا ببيننا، فصار يقتل بعضنا بعضا، ويخوض بعضنا في عرض بعض، ولا حول ولا قوة إلا بالله،،،
رابعا: تسليط الأعداء، وذهاب القوة، ونزع الهيبة من قلوب الأعداء.
أيها المسلمون الكرام، إن المتصفح للتاريخ الإسلامى يجد أن هذه الأمة الإسلامية كانت في سالف دهرها أمة:
موفورة الكرامة ... عزيزة الجانب ... مرهوبة القوة ... عظيمة الشوكة ... لكنها لما أضاعت أمر الله ... وضيعت سنة نبيها ... وراجت أسواق الشرك والبدع والتبعية ... صار أمرها إلى إدبار ... وتحول عزها إلى إذلال ... واستحال مجدها إلى زوال، فهذا حالها لا يخفي على أحد:
من ضياع للهوية، ومن تمييع للقضية، ومن إهدار للأهمية، ومن تجريد من الأفضلية، حتى صارت أمة ذليلة حقيرة بين الأمم؛ يتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، ولولا أنها الأمة الخاتمة التي تعهد الرب - جل وعلا - بحفظها؛ لأصبحت تاريخاً دابراً تتحاكاه الأجيال تلو الأجيال؛ ولكنها سنن الله الربانية في الكون التي لا تحابي ولا تجامل أحداً.
قال - عز وجل -: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى? يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ}.
ففي سنن أبي داود من حديث ثوبان 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا. فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟
قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ (أي ما يحمله السيل من الوسخ)، وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ الله فِى قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ.
فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الْوَهَنُ؟
قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ.
فنحن اليوم والله الذي لا إله غيره نعيش تحت ذل حب الدنيا، ونحيا تحت ذل كراهية الموت، وفي خضم هذا الذي المسلط علينا يغفل كثير من المسلمين أو يتغافل عن البلاء والداء، هذا السبب الذي بيّنه رسولنا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ...
كما ثبت في سنن ابن ماجة من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ (أي: بالربا)، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ الله عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ.
إذا كنت في نعمة فارعها - فإن الذنوب تزيل النعم
وحطها بطاعة رب العباد - فرب العباد سريع النقم
وإياك والظلم مهما استطعت - فظلم العباد شديد الوخم
وسافر بقلبك بين الورى - لتبصر آثار من قد ظلم
فتلك مساكنهم بعدهم - شهود عليهم ولا تتهم
أنواع العصاة
أيها المسلمون: إن الواقعين في المعاصي أحد رجلين:
إما الأول: فرجلٌ يقع في المعصية حباً لها ... وشغفاً بها ... تتحكم المعصية في قلبه ... وتسطو على تفكيره ... حتى يسعى بكل جوارحه للوقوع فيها ... وقد يبذل من أجلها المال والجاه والسلطان ... فإذا حال بينه وبين الوقوع فيها حائل أخذته الحسرات على أنه لم يتمكن من فعلها ... كل ذلك دون رادعٍ له من دين أو خلق أو ضمير ... فأنت تراه: لا يفكر في توبة ... ولا يؤمل فى أوبة ...
فهذا العاصي الأثيم لا تزال خطواته تقوده من معصية إلى معصية ... ومن صغيرة إلى كبيرة ... حتى تكبّه على وجهه في النار عياذاً بالله.
وأما الآخر:
فهو رجل يبغض المعصية ... ويُقبل على الطاعة ... ، ولكنه تأخذه لحظةٍ من لحظات الضعف البشري ... فيواقع المعصية أياً كانت صغيرة أو كبيرة ... وما إن يفارقها حتى يلتهب فؤاده ندماً وحسرةً وخوفاً ووجلاً من الله تعالى ... فيحتقر نفسه ويمقتها ... ثم يتجه إلى الله طارقاً بابه، راجياً عفوه وغفرانه ...
فهذا وأمثاله ممن قال الله فيهم: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}
نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا منهم ...
¥