تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولما جاءت رسالة الإسلام أقرَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه العادة حين أمر في غزوة حنينٍ يوم توزيع الغنائم، فقال: "اقطعوا عني لسانه"، أي أسكِتوه بالعطاء.

وأمضى الفاروق عمر -رضي الله عنه- هذه السُّنة في الحُطيئة (3) لما أكثر من هجاء الزبرقان بن بدر التميمي -رضي الله عنه- وقال فيه ذمّاً مقذعاً ظنَّه عمرُ مدحاً حتى سأل حسان بن ثابت عنه أهو هجاء؟ فقال: يا أمير المؤمنين ما هجاه ولكن سلح عليه بقوله:

(دعِ المكارمَ لا ترحلْ لبغيتها

واقعدْ فإنكَ أنتَ الطاعمُ الكاسي) (4)

فسجنه عمرُ في المدينة، فاستعطفه الحطيئة بأبياته المشهورة:

(ماذا تقولُ لأفْراخٍ بذي مرخٍ

زُغْبُ الحواصل لا ماءٌ ولا شجرُ

ألقيتَ كاسبَهم في قَعرِ مُظلمة

فاغفرْ عليك سَلامُ الله يا عمرُ) (5)

فأخرجه ونهاه عن هجاء الناس، فقال الحطيئة: إذاً تموت عيالي جوعاً. فاشترى عمر -رضي الله عنه- منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم" (6) وأخذ منه العهد على ذلك، ولكنه نكث وأوغل في الهجاء بعد موت الفاروق.

فياليت شعري مَن يشتري أعراضَ العلماء والدعاة اليوم من هجَّاءٍ قد تخلف " في كهوف القَعَدَة الذين صرفوا وجوههم عن آلام أمتهم وقالوا: هذا مغتسلٌ باردٌ وشراب " و " كلما مرَّ على ملأ من الدعاة اختار منهم ذبيحاً فرماه بقذيفة من هذه الألقاب المُرّة، تمرق من فمه مروق السهم من الرَّميّة، ثم يرميه في الطريق ويقول: أميطوا الأذى عن الطريق فإن ذلك من شعب الإيمان." (7)

بين سَتر العُصاة المُجرمين .. وفَضحِ الدّعاة المُصْلحين ..

إنَّ القلب ليحزن وإن النفس لتضيق من إلتزامٍ صوريٍّ يعيشُ صاحبُه ضمن دائرةٍ ضيقة من معاني الإسلام الظاهرة كإعفاء اللحية وتقصيرِ الثوب ونحوها من سنن الهدى، فيدور في فلكها دون أن يخالط الإيمانُ شغافَ قلبه لينعكس خُلقاً كريماً وسلوكاً رفيعاً .. وإلى مثل هؤلاء وجَّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطابه فقال:" يا معشر مَن آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتَّبِعوا عوراتِهم ". (8)

وإنك لتعجب من أبي بكرٍ الصّديق حين يقول فيما أخرجه عبدالرزاق في مصنفه: "لو لم أجد للسارق والزاني وشارب الخمر إلا ثوبي لأحببت أن أستره عليه"، ولعلَّ ابن هبيرة قد فقِهَ قول الصِّديق فأسرَّها إليك أن "اجتهد أن تستر العصاة، فإن ظهور معاصيهم عيبٌ في أهل الإسلام و أولى الأمور ستر العيوب". (9)

إن قلباً كبيراً رحيماً كقلب الصدّيق -رضي الله عنه- قد وسع العصاة المجرمين ليسترهم، وأولئك ضاقت نفوسهم عن نجاحات إخوانهم فأبت إلا أن تتتبعَ عوراتهم لتفضحهم، فيالله العجب!

وكان سفيان بن الحصين جالساً عند إياس بن معاوية، فمرّ رجلٌ فنال منه سفيان، فقال إياس: اسكت، هل غزوت الروم؟ فرد سفيان أن لا. فسأله إياس ثانية: أغزوت الترك؟ فقال سفيان: لا.

فعلمه إياسٌ درساً لم ينسه سفيان أبداً حين صاح فيه: سلم منك الروم وسلم منك الترك ولم يسلم منك أخوك المسلم. (10)

وهذا الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق -حفظه الله- يعرّي دعاوى زائفة طالما تشدق بها أشباه المتدينين لاستباحة أعراض إخوانهم الدعاة والعاملين، في قوله:

"إنه مازال المسلمون إلى يومنا هذا يطلع عليهم بين الحين والآخر مَن يزعم نصرَ الدِّين وقول كلمة الحق فيترك أهل الأوثان والشرك والإباحية والكفر ويُعمِل قلمه ولسانه في المسلمين، بل وجدنا منهم مَن لا همَّ له إلا مشاغلة الدعاة إلى الله والتعرض لهم بالسبِّ والتشهير ........... ولمثل هذه الأمور –التي يرونها مخالفاتٍ وماهي بمخالفات- يستحلّون أعراضهم وينتهكون حرماتهم ويفتّشون على أسرارهم ولا يجدون لهم ديناً في الأرض إلا تفريق جماعتهم وتمزيق وحدتهم وملء صدور الناس بكراهيتهم ومحاولة فضِّ الناس عنهم". (11)

أ " لله " تُستباحُ الحُرمات وتُرتكبُ المحرمات؟!

إن ظاهرة القتل بنيران صديقة ليست وليدة اليوم، بل تمتد جذورها إلى قرونٍ مضت حين اكتشفها مُحدّث الأمة أبوهريرة -رضي الله عنه- فوقف ناصحاً واعظاً أولئك الذين سلّطوا عدساتهم المكبرة للتفتيش عن صغائر إخوانهم، فقال: " يُبصرُ أحدُكم القذاةَ في عين أخيه، وينسى الجِذلَ -أو الجذعَ- في عين نفسه" قال أبوعبيد: الجذل الخشبة العالية الكبيرة. (12)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير