تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا ابن القيم -رحمه الله- يلفّه استغرابٌ من مدّعي التديّن والوَرَع، الذين سَلّوا سيوفَ الكلمة لتقطّعَ لحوم إخوانهم ولم يُراعُوا لميِّتٍ حُرمة، فيقول: "وكم ترى من رجلٍ متورّعٍ عن الفواحش والظلم ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات ولا يبالي ما يقول!! ". (13)

وفيما روى ابن الأثير في كامله من أحداث مقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي الله عنه-:

" ....... وأما عمرو بن الحمق فوثب على صدره -رضي الله عنه- وبه رمقٌ، فطعنه تسع طعنات قال: فأما ثلاثٌ منها فإني طعنتهن إياه لله تعالى، وأما ستٌ فلما كان في صدري عليه.

وأرادوا قطع رأسه، فوقعت نائلةٌ عليه وأمُ البنين، فصاحتا وضربتا الوجوه، فقال ابن عديس: اتركوه. وأقبل عمير بن ضابئ فوثب عليه، فكسر ضلعاً من أضلاعه ....... ".

ويقول الشيخ محمد أحمد الراشد -حفظه الله- معلّقاً:

"هكذا أعداء الإسلام دوماً يريدون قطع رأس الجماعة، وكسر أضلاع تنظيماتها، والمبرر ((لله))، كما قالها ابن الحمق!! وبصيحة ((لله)) هذه ضاع ألوفٌ من شباب الدعوة بالأمس القريب، وثُبّطت جموعٌ، وكُشِفت أسرارٌ، ومُلئت سجون. ولو صدقوا لقالوا مثل ما قال ابن الحمق مستدركاً: ستٌ لما في الصدر". (14)

وما ذلك من ممارساتِ بعضِ مَن يُحسبون على تيار الصحوة اليوم ببعيد!!

ويبقى السؤال .. أحقاً كان ذلك ((لله))؟!

"ولا تَنْسَوُاْ الفَضْلَ بَيْنَكُمْ " ..

إن أمراضاً خفيةً من هوى وحسد مع قلّةِ رصيدٍ من تربية وبضاعة مزجاة من علم قد تُنسي لاحقاً فضلاً لسابقٍ في دعوة لله وأمرٍ بمعروف ونهي عن منكر أو سجنٍ عند طاغيةٍ مستبدٍ أو كلمةٍ أوْدَعها نُصحاً في أذُن عاصٍ ضاقت به السبُل أو كتاباً نشر فيه علماً نافعاً أو حتى حضوراً لمجالس الخير كثّر به سواداً للمسلمين.

وإن مما تستوحش منه قلوب المؤمنين النقية وتشمئز منه نفوسهم السويّة ما تراه اليوم من تصرفات رعناء لأدعياء العلم والفضل حين يخطئ عَلمٌ أو رمزٌ مُوثّق أو داعيةُ خيرٍ كانت له في الإسلام سابقةٌ فيستبيحون عرضه ويهتكون أستاره وينسون فضله ولمّا يشتدّ عودُهم أو ينضج فكرُهم أو يبلغوا سنّ الحُلُم بَعْد.

وكم رأينا من أقزامٍ تطاولوا ظلماً وعدواناً وافتروا زوراً وبهتاناً على أعلامٍ للدعوة ورموزٍ للفكر النيّر قد بذلوا لله الغالي والنفيس من أوقاتهم وأموالهم ودمائهم وهجروا الفُرُشَ والملذات حين كان أولئك الناقدون الناقمون يتسابقون على الدنيا وحطامها ويسيرون وراء سراب أهوائهم لا يلوون على شيء.

أقلّوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم أو سدّوا المكان الذي سدّوا (15)

أقزامٌ ما حفظوا من كتاب الله إلا قصار السِّور، نصيبهم من العلم قليل ومن الفقه العَدَم، ما عرفوا الله إلا قريباً وظنوا جهلاً أنهم مع أشياخ الدعوة وعلماءها في الفضل سواء وما دَرَوا أنه ((لا يستوي منكم مَن أنفقَ من قبلِ الفتحِ وقاتلَ أولئك أعظمُ درجةً مِن الذينَ أنفقوا مِن بعدُ وقاتلوا)). الحديد-10.

ولسيدٍ -رحمه الله- كلامٌ جميل حول هذا المقطع من الآية:

"إنَّ الذي ينفق ويقاتل والعقيدة مطاردة والأنصار قلّة وليس في الأفق ظِلُّ منفعةٍ ولا سلطان ولا رخاء، غير الذي ينفق ويقاتل والعقيدة آمنة والأنصار كثرة والنصر والغلبة والفوز قريبة المنال". (16)

منهجٌ سَلفي ولا قلبٌ يَعي ..

أين أدعياء السلفية -ممن يستبشرون بأخطاء الدعاة ويتصيّدون هناتهم ويبحثون عن زلاتهم- من كلامٍ نفيس لابن القيم -رحمه الله- يشرح فيه منهجاً لميزان الرجال، حيث يقول:

"من قواعد الشرع والحكمة أيضاً أن مَن كثُرت حسناته وعظُمَت وكان له في الإسلام تأثيرٌ ظاهر فإنه يُحتمل منه ما لا يحتمل لغيره، ويُعفى عنه ما لا يعفى عن غيره، فإن المعصية خبث والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث بخلاف الماء القليل فإنه لا يحتمل أدنى خبث.

ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعُمر: (وما يدريك لعلَّ الله اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير