تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن الاحتساب على الناس، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، هو دين الله تعالى الذي جاءت به الرسل، وهو سبب العداوة بين أهل الحق وأهل الباطل منذ أن وجد على الأرض حق وباطل، وأهل الحسبة من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر في كل زمان ومكان هم أتباع الرسل، والمعارضون للحسبة والأمر والنهي الشرعيين هم إما من أتباع المشركين، أعداء المرسلين، أو فيهم شبه منهم.

ومن نظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، واطلع على أوامره ونواهيه علم أنه إنما جاء بالاحتساب على الناس، وغرض احتسابه عليهم إصلاح أحوال معاشهم ومعادهم؛ وذلك بإصلاح عقائدهم وتطهيرها من أدران الشرك إلى التوحيد، وإصلاح عباداتهم بتنقيتها من أوضار البدع والخرافات، وإصلاح معاملاتهم وأخلاقهم بتخليصها من كل ما يوجب الظلم والفساد.

وذلك لا يكون إلا بأمر ونهي وتدخل فيما يسمى بالخصوصيات، وذلك هو مقتضى كلمة التوحيد، ولازم شهادة الحق بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولا يكون الله تعالى معبودا للناس لا شريك له حتى يخضعوا لأمره ونهيه، ولا يكون الرسول عليه الصلاة والسلام متبوعا إلا بطاعته في أمره ونهيه.

ورسولنا عليه الصلاة والسلام لم يجعل الاحتساب على الناس من انتهاك الخصوصيات، أو من التدخل فيما لا يعني، بل جعله من الدين ومن التدخل فيما يعني، وأخبرنا بما أُنزل عليه من الكتاب أن الاحتساب على الناس، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، هو من الخير الذي فضلت به هذه الأمة {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله} [آل عمران:110].

وأمرنا عليه الصلاة والسلام بذلك فقال: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

وعن قيس بن أبي حازم رحمه الله تعالى قال: قرأ أبو بكر الصديق هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105] قال: إن الناس يضعون هذه الآية على غير موضعها، ألا وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه - أو قال: المنكر فلم يغيروه - عمهم الله بعقابه) رواه أحمد وصححه ابن حبان.

وفي حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من رجل يكون في قوم يُعمل فيهم بالمعاصي يَقْدرون على أن يغيروا عليه فلا يغيروا إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا) رواه أبو داود.

فهل نطيع في هذا الأمر العظيم ربنا جل جلاله، ونطيع رسولنا الذي أُمرنا باتباعه عليه الصلاة والسلام، أو نطيع سفلة من الإعلاميين والصحفيين تاريخهم حافل بترويج التخلف والانحلال والضياع، ومحاربة ما جاءت به الرسل عليهم السلام من الهدى والنور والرشاد؟! نسأل الله تعالى أن يكفي المسلمين شرهم، وأن يشغلهم في أنفسهم، إنه سميع مجيب.

{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الذكر الحكيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين؛ وفق من شاء من عباده لفعل الخيرات وترك المنكرات، فكان سعيهم مشكورا، وعملهم مأجورا، نحمده حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار المذنبين، ونسأله من فضله العظيم، وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله ربكم، وأخلصوا له دينكم، واستسلموا لأمره، واجتنبوا نهيه، واحذروا عقابه {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ} [الأنفال:25].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير