أيها المسلمون: لا يستغرب على دعاة الفساد والإفساد والانحلال، وخفافيش التخلف والظلام والضياع في هذا العصر من المنافقين والشهوانيين؛ حملتهم المسعورة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاولة إبطاله في الأمة، وتقرير مذهب أئمة الشرك المتقدمين والمتأخرين في الحرية الدينية، ومطالبتهم بعدم التدخل فيما يسمونه الخصوصيات، مع سعييهم الجاد في نشر المنكرات بكل وسيلة، والأمر بها، والدعوة إليها، والنهي عن المعروف الذي جاءت به الرسل عليهم السلام من عند الله تعالى، وما هم إلا المذكورون في قول الله تعالى {المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ المُنَافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ} [التوبة:67].
إن الواحد من المؤمنين لو أمر بمعروف أو نهى عن منكر لزلقوه بأبصارهم، وسلقوه بألسنتهم، ورموه بالتدخل فيما لا يعنيه، واحتجوا عليه بأن لهذه المهمة جهة مسئولة وهو ينتهك تخصصها، ويتدخل في عملها.
ثم إذا هم لم يحترموا هذه الجهة المسئولة، ولا يتركونها تقوم بعملها، بل يحاربونها سرا وعلانية، وينفرون الناس منها، ويفترون الكذب عليها، ويضخمون أخطاءها، ويظهرون معايبها، ويخفون محاسنها، وفي النهاية يطالبون بإلغائها، فبذلك علم ماذا يريدون؟ وإلى أي مدى سينتهون؟
إنهم يسعون جادين لإبطال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما حاول إبطاله أعداء الرسل من قبلهم، ومطلوبهم الأكبر من هذه الحملة الصليبية الليبرالية رأس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى امتدت رأفتهم وشفقتهم إلى قتلة الشباب من مروجي المخدرات، ولم يرحموا ضحايا هؤلاء المجرمين، فمن هو المفسد؟ ومن هو المصلح؟
إنها حملة إعلامية فاجرة تركز على بعض الأخطاء التي هي محل البحث والنظر لدى جهات التحقيق، وتتعامى عن سيل من المنجزات والإبداعات، في كشف شبكات ترويج الخمور والمخدرات والتزوير والدعارة وغيرها.
ويا ليت هذا التركيز على الأخطاء القليلة المحتملة كان بدافع الإصلاح، ورفع الضرر، وإحقاق الحق، ومحاسبة المخطئين والمقصرين، لو كان الأمر كذلك لكانوا محل الشكر والثناء والتأييد والمعونة، ولكنهم قوم لا خلاق لهم قد تسلقوا على هذه الأخطاء المحتملة، التي يقع ما هو أكثر وأكبر منها في جهات أخرى؛ لتحقيق مآرب خسيسة، من نفوس خبيثة، تريد وأد الفضيلة، ونشر الرذيلة، وإغراق الناس في لجج من الفساد والانحلال والضياع!!
والعجب كل العجب من صفاقتهم ووقاحتهم حين جعلوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مجالا لتصويت الناس عليه، وأخذ رأيهم فيه، وهو شعيرة كبرى من شعائر الله تعالى، ورأس في دينه عز وجل!! يصوتون عليه في قنوات لو صُوِّت عليها في بلاد المسلمين لأغلقت في لحظتها؛ لأنها لا تمثلهم وإنما تمثل أعداءهم، وتروج لكل دين ونحلة خلا الإسلام، وتدافع عن جرائم الأعداء أكثر من دفاعها عن حقوق من تنطق بلسانهم، وتتسمى باسمهم.
يا له من فساد في العقول، وخلل في التفكير، وانحراف في الفطر من قوم ما عُرف عنهم إلا أنهم الآمرون بالمنكر، الناهون عن المعروف، وما لسانهم إلا لسان قوم لوط حين قالوا {أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل:56].
العهر عندهم فضيلة، والآمرون به مطاعون ومقدسون، والطهر في مذهبهم رذيله، والآمرون بالطهر المحافظون عليه غير مرغوب فيهم؛ ولذا يريدون إغلاق مؤسستهم، كما نادى قوم لوط بإخراجه عليه السلام من قريتهم.
إن حقدهم على الفضيلة، وضغينتهم على الآمرين بها قد بلغ بهم حدا أغلق عقولهم وأسماعهم وأبصارهم، فجعلهم ينطقون بما لا يعقلون، ويهرفون بما لا يعرفون، وإلا هل ينادي عاقل بإغلاق جهاز الحسبة لأن أخطاء محتملة وقعت من بعض أفراده، لولا أن مطلوبهم الأكبرَ شعيرةُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!!
ماذا لو أن بعض الأطباء أخطأوا فقتلوا بعض المرضى فكتب بعض الناس أن تُغلق المستشفيات، وتُلغى كليات الطب ووزارة الصحة؟ أليس حق المطالب بذلك أن يُحجر عليه ويعالج في مستشفيات الصحة النفسية، لا أن يُصَدَّر في وسائل الإعلام المختلفة؟! وقل مثل ذلك في كل الدوائر والمؤسسات والوزارات، تُلغى لأجل ما فيها من الأخطاء والتجاوزات، أيقول عقلاءٌ من البشر بذلك، فالحمد لله على نعمة العقل.
إنها -يا عباد الله- مواجهة بين أتباع الرسل الذين ينادون بالطهر والعفاف، ويحافظون على نقاء المجتمع وتماسكه وبين أعداء الرسل الذين يروجون للخنا والمواخير، ويحاولون جر الناس إلى الرذائل والموبقات، وليختر كل مسلم مع أي الفريقين يكون، وإلى أي الطائفتين ينحاز، أإلى أتباع الرسل، وأنصار الفضيلة أم إلى أتباع المشركين، وأنصار الرذيلة؟!
حمى الله بلادنا وبلاد المسلمين من شر الفاسدين المفسدين، وردهم على أعقابهم خاسرين، إنه سميع مجيب.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ....
المصدر: http://www.alukah.net/articles/1/955.aspx