وكتب تطالع وقت البحث في المسائل حسب الحاجة، ولا تقرأ من أولها إلى آخرها في الغالب ولاسيما في مراحل الطلب الأولى، فهذه الكتب يؤخر شراءها، ويكتفي بوجودها في الأقراص الحاسوبية، فيشتري مثلا الجامع الكبير للتراث الذي حوى ألفي كتاب يزيد عدد أجزائها عن عشرين ألفا، وتقدر صفحاتها بملايين الصفحات، ولا يخفى سرعة الوصول إلى المعلومة في هذا البرنامج وأمثاله، فأنت به وبأمثاله تقتني مكتبة ضخمة كالتي ذكرها الشيخ حاتم في حديثه السابق، ووفرت أموالا ومكانا ووقتا وجهدا، فلله الحمد على هذه النعمة العظيمة.
قال الشيخ محمد رشيد رضا في تقديمه لمفتاح كنوز السنة: ولو وجد بين يدي مثل هذا المفتاح [يعني مفتاح الصحيحين] لسائر كتب الحديث لوفر علي أكثر من نصف عمري الذي أنفقته في المراجعة، ولكنه لم يكن ليغنيني عن هذا الكتاب (مفتاح كنوز السنة) فإن ذاك إنما يهديك إلى مواضع الأحاديث القولية التي تعرف أوائلها، وهذا يهديك إلى جميع السنن القولية والعملية ومافي معناهما كالشمائل والتقريرات والمناقب والمغازي وغيرها. فلو كان بيدي هو أو مثله من أول عهدي بالاشتغال بكتب السنة لوفر علي ثلاثة أرباع عمري الذي صرفته فيها. (مقدمة مفتاح كنوز السنة ص 8)
ومفتاح كنوز السنة الآن يعد فهرسا متخلفا إذا قورن بالبرامج الحاسوبية الحديثة، ومع ذلك سيوفر الشيخ ثلاثة أرباع عمره فكيف لو رأى هذه البرامج العظيمة، فنحمد الله ونشكره على مايسر لنا في هذا العصر.
فمثلا اشترينا تاريخ دمشق بنحو ألفي ريال، وهو ثمانون مجلدا كنا نتابع صدوره تباعا ونشتري مايصدر منه، وهو الآن في هذا القرص، والوصول إلى المعلومة فيه أيسر من البحث في ثمانين مجلدا. ولهذا فعلى الطالب قبل أن يشتري المراجع والمصادر العامة أن يتأكد هل هو موجود في برنامج التراث أو الموسوعة الشاملة ونحوهما فإن كان فيها فليكتف به، ويوفر المال لشراء ماليس موجودا فيها من الكتب والرسائل العلمية المفيدة التي حقق فيها أصحابها المسائل، ولا تدخل البرامج الحاسوبية. وأنا لا أقول: إن برنامج الحاسب يغني تماما عن شراء الكتاب نفسه، ولكنها الأولويات.
وأنصح طلبة العلم في كل مدينة أن يسعوا في إنشاء مكتبة عامة لطلبة العلم يوفر فيها كل جديد يصدر، فيكلموا من فيه خير من التجار، ويعملوا على إنشاء تلك المكتبة التي تخفف العبء عن طلاب العلم، وتخفف عليهم هم متابعة كل جديد، فلايكاد يمر يوم إلا ويصدر كتاب، ولايتيسر للطالب أن يشتري كل ذلك كما ذكرنا. وقد حدثني أحد الإخوة عن القائمين على مكتبة شيخ الإسلام ابن تيمية في الرياض أنه لايصل كتاب إلى الأسواق إلا ووفروا نسخا منه في المكتبة، ولو كان طبعة حديثة لكتاب موجود عندهم سابقا، وهذا والله شيء يثلج صدر طالب العلم، فلايحزن على عدم شرائه كتابا صدر لعدم قدرته لأنه إذا احتاج إليه وجده في تلك المكتبة العامرة فليت عندنا في الدمام مثل هذه المكتبة، ونسأل الله أن ييسر إنشاءها.
إن من أسباب تكرار التأليف في موضوع واحد عدم اطلاع أصحابها على ماألف في ذلك الموضوع، وعدم وقوفهم على الكتاب.
قال الشيخ أبوعبدالرحمن بن عقيل بعد أن ذكر أنه عند نشأته العلمية كانت الكتب شحيحة: ولكنني منذ عام 1400 هـ تقريبا أو قبيله فوجئت بسيل منهمر من تحقيق المخطوطات ونشرها، فكثر المحققون ومتعلمو التحقيق والنساخ، وأثمر كل هذا كثرة المطبوعات من النسخ القلمية. وإن البحث عن عنوان الكتاب بين أسماء الكتب المطبوعة صار اليوم أشد تعبا من البحث عن مسألة في عشرات من الكتب بالأمس. وكل كتاب صورته وكنت شديد الحبور بندرته فوجئت به في الأسواق محققا مطبوعا.
انتهى كلامه من مقدمة كتابه أنابيش تراثية المطبوع سنة 1414 هـ، فماذا يقول الآن؟!
وهذا حق، فقد صار التأكد من أن هذا الكتاب لم يحقق أو لم ينشر، وأن هذا الموضوع لم يكتب فيه ولم ينشر أمرا صعبا، بل ربما خفي على المؤلف أو المحقق أن الكتاب سبق طبعه في بلده نفسه، وأضرب لذلك مثالين:
قال الشيخ عبدالسلام علوش في مقدمة كتابه سنن الأصفهاني الذي ذكر فيه أحاديث حلية الأولياء بعد أن استخرجها ورتبها على الأبواب قال: وقفت فيما وقفت عليه من ترجمة الهيثمي أنه رتب أحاديث حلية الأولياء على كتب الفقه وأبوابه إلى أن قال: ولما لم أقف على صنيعه ولم أشرف على منيعه، وما أدري لعله يكون موجودا في المشتت من البلاد والمفرق من الأوطان .... عقدت النية على إخراجه وإشعال سراجه.
وقد طبع علوش كتابه هذا ونشرته مكتبة الرشد في سنة 1425 هـ، مع أن كتاب الهيثمي، واسمه تقريب البغية بترتيب أحاديث الحلية طبعته دار الكتب العلمية ونشرته في سنة 1420هـ!
وصدر كتاب تسمية الشيوخ للإمام النسائي بتحقيق الدكتور قاسم علي سعد وذكر أنه قد نشر هذا الكتاب في مجلة جامعة الإمام في العدد 38 في ربيع الآخر 1423 0 وذكر أنه نشر هذه المخطوطة بعد أن كانت مدة مديدة حبيسة الخزائن العتيقة 0 كما أن الدكتور حاتم العوني نشر الكتاب أيضا في سنة 1423باسم تسمية مشايخ أبي عبدالرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي الذين سمع منهم، وذكر أن هذه الرسالة لم يكن أحد يعلم بوجودها أصلا حتى أولئك الدارسون الذين كتبوا دراسات عن المؤلف ومؤلفاته أو الذين كتبوا في علم المشيخات 0وكانت تلك الرسالة نفسها قد طبعت قبل ذلك بمكتبة الأسدي بمكة عن نفس النسخة الخطية المعتمدة عند الجميع.
وهذا يؤكد ضرورة وجود قاعدة بيانات شاملة لكل مايطبع من الكتب العربية وإنشاء موقع في الشبكة تبعث إليه الجامعات ودور النشر جميعا بأسماء جميع مايسجل فيها أو يصدر عنها. ونسأل الله التوفيق لجميع المسلمين.
¥