وقد تفطن لذلك بعض الأدباء فقال شعراً: ( ... إن المحب لمن يحب مطيع) , هل يعقل شرعاً أن تُردّ هدايا المحبوب وهو الله تعالى؟ , و هل حقاً يجب علينا ألا نتنعم بهدايا المحبوب؟.
ألم يقل لنا (خلق لكم ما في الأرض جميعاً) , وقال لنا: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعبادة) فقد سماها زينة لينعم بها عباده ويشكرونه عليها , وقال عن الدواب: (لتركبوها وزينة) فقد أضاف عبارة مهمة للعقلاء فليست لمجرد الركوب والاستخدام, بل هناك معنى آخر وهو الزينة والمتعة , وقال عن الطعام: (كلوا من رزق ربكم واشكروا له) فالطعام الحسن رزق , والمسكن الحسن رزق , والخضرة والماء والورد رزق , والجمال بشتى صنوفه رزق , وكل هذه أرزاق توجب الشكر لا الكفر والجحود والإعراض ...
الجمال المفضي للحب والأنس والسكون , استدل الله به على التوحيد له , فبالجمال المودع في الكون يمكن أن يصل المرء لحقيقة تفرد الرب وعظمته , ولذلك قال مخاطباً كل عاقل وعاقلة: (حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله!!) , يخاطبك عن تناسق الألوان وجمال المنظر وروعة الصنع التي توجب أن ينقدح في قلب كل من رآها بهجة وسروراً , تأمل قوله: (صوركم فأحسن صوركم) إنه يذكرك بجمال الخلق ودقته وروعته , فهل توجهنا إليه واعترفنا له بالإبداع والقدرة العظيمة , أنه يذكر لنا صنوف الفواكه والأشجار التي نشاهدها لنستدل على عظمته وقوته وحسن صنعه , ثم يقول لنا في ختام ذلك (هل من خالق غير الله؟!).
لقد حاول الفقهاء والصوفية تعريف الحب , وحاولوا أن يقيدوه ويحبسوه بتعريفاتهم الجامعة المانعة , حاولوا أن يضعوا الأغلال عليه وحاولوا أن يكبلوه في الأوراق ليتحكموا فيه ويجعلوه تبعاً لهم , لقد تتبع بعض العلماء مثل (ابن القيم) كلام الناس في تعريف الحب , فغدا يعدد الأقوال والتعريفات حتى طالت به الصفحات بدون جدوى , حتى اعترف بأنه لا يندرج تحت القواعد والتعريفات.
ولكنّ الحب كسر الأغلال وطار في البلدان , كحلم جميل لا يأبه بتعريف أو حَدِّ , هاهو يحلق ويطير ويتشكل بين القارات , ويتجاوز البحار والقفار , إنه ينام في صدر شابه حسناء ترقبه وتناجيه , ويداعب خيال فتىً غض الشباب طري العود , وتراه يسير مع الفقراء والأغنياء سواسية لا يفرق بينهم , إنه عاشق الوحدة والتفرد والدخول لخلجات القلوب , إنه يُظهر أثره وقوته في عيون شيخ كبير فتسيل دموعه لا إرادياً , ويظهر نفسه في قسمات امرأة عجوز حتى يخشى الناس عليها , إنه يظهر في سلوك الأنبياء , والزهاد , والملوك , والفقراء , وسائر الناس.
إنه عظيم كاسمه تماماً .... فهو لا يعرف لغة أو لوناً أو نسباً ,
فهو جليس الشعراء ,
وسمير الأدباء , ورفيق الدرب للبلغاء ,
وملهب المشاعر الفياضة للمخلوقات ,
فليس أجمل من الحب.
وليس لحب الشخص مدى يحتكم إليه إلا في ثبوت نص شرعي يوجب ذلك , وليست الحدود البشرية التي تتعلق بالحساب والمنطق هي المرجع والفصل في تحديد المقدار الذي يجب أن يحب به المرء , فليس من العدل أن يقال أحبك مثل الجبال العالية , فمسائل الحب تتعلق بالنفوس والقلوب وليست من جنس المحسوسات المدركات التي تقاس بضوابط معينة ويجمع عليها العقلاء.
فكم هو مهم هذا الحب الذي يطرق القلوب بدون استئذان , الحب الذي نعيش به وننعم , الحب الذي يبكي من أجله ملايين البشر باختلاف لغاتهم وألسنتهم , الحب الذي بالغ فيه بعض الناس حتى جعلوه مطية للشرك و الكفر كعبّاد الأولياء أو الأنبياء ونحوهم , أو حاول بعضهم جحده ورفضه ليزعموا كمالهم وعدم افتقارهم.
يتبع بأذن الله ...
3/ 5/1430
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[29 - 04 - 09, 02:02 م]ـ
أحسنتَ ..
وليس أضيع من الحب اعترافاً بوجوده وفضله وثمرته وأثره على النفوس والقلوب = إلا تضيبيع معرفته على الحقيقة ومعرفة قانونه وسنته ..
نعم .. تضييع الحب الحقيقي .. هو الجناية التي لا يقل أثرها عن جناية تضييع نفس الحب وجهل أثره كمعنى ترتوي به النفوس اهتزاز الربا لقطر الندى ...
ـ[خضر بن سند]ــــــــ[01 - 05 - 09, 12:02 ص]ـ
أخي الكريم ابو فهر السلفي ...
إضافة موجزة ومركزة ونافعة .. شكرالله لك كلماتك ...
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[01 - 05 - 09, 02:29 ص]ـ
أو جزت للعجلة ساعتها وإلا فقد كان بودي لو أطلت فالفكرة هاهنا عميقة وممتعة ومهجورة ..
ـ[الحاج أحمد]ــــــــ[09 - 05 - 09, 01:44 ص]ـ
فإن قليل الحب في العقل صالحٌ ... وإن كثير الحب بالجهل فاسد ..
ولكن هل الحب يخضع لمقاييس العقل؟!!
طبعا لا .. وهو ما أنكره ابن حزم في "طوق الحمامة" وإن المحب لا يعرف سبب حبه لحبيبه بالذات ..
أهلا باستاذنا خضر ..
وما الذي فجر هذه الينابيع الكامنة؟!
حسنا انها تفجرت .. فالمصدور ينفث .. والعليل يشكو ..
يبدو لي يا شيخ خضر .. أن سياق التوجيه العام للناشئ في بيئة كبيئتنا يمنعه بل يجرم له أمور له فيها مندوحة .. فكرت من المتسبب في ذلك .. هل هو المربي أو المتربي أو البيئة .. هل هي أسباب داخلية أم خارجية؟ لكن يبدو ان الجريمة سُجلت ضد مجهول ..
كلماتك جميلة .. عن الجمال والزينة والبهجة .. أسأل الله أن يجمعنا في دار كرامته ..
¥