وفي فتاوى النووي: الشطرنج حرام عند أكثر العلماء، وكذا عندنا إن فوت به صلاة عن وقتها أو لعب به على عوض، فإن انتفى ذلك كره عند الشافعي وحرم عند غيره.
فإن قلت: كون الشطرنج كبيرة عند من قال بتحريمه وإن خلا عن القمار وتضييع الصلاة ونحوهما هو ظاهر ما مر عن ابن عمر ومالك وابن عباس رضي الله عنهم وغيرهم، لأن إلحاقه بالميسر الواقع في كلام مالك وكونه شرا منه الواقع في كلام ابن عمر وإحراق ابن عباس له ظاهر في كونه كبيرة، وكذا قول إسحاق إن البأس كله فيه وإنه فجور، وكذلك تفسير وكيع وسفيان الاستقسام بالأزلام في الآية باللعب بالشطرنج، فهذه كلها ظواهر في أنه عند القائلين بتحريمه كبيرة، وأما كونه كبيرة عند القائلين بحله إذا اقترن به ما مر فالكبيرة إنما جاءت المنضم إليه لا من ذاته.
قلت: نعم هو كذلك، لكن قد يفيد الانضمام من القبيح ما لم يفده الانفراد فلا يبعد جعل هذا الانضمام مقتضيا لمزيد التغليظ والتنفير عنه بتسميته كبيرة نظرا لذلك.
فإن قلت: لو استغرقه اللعب به حتى أخرج الصلاة عن وقتها غير متعمد لذلك، فما وجه تأثيمه مع أنه الآن غافل والغافل غير مكلف فيستحيل تأثيمه؟.
قلت: محل عدم تكليف الناسي والغافل حيث لم ينشأ النسيان والغفلة والجهل عن تقصيره وإلا كان مكلفا آثما؛ أما في الغفلة فلما صرحوا به في الشطرنج من أنه لا يعذر باستغراقه في اللعب به حتى خرج وقت الصلاة وهو لا يشعر؛ لما تقرر أن هذه الغفلة نشأت عن تقصيره بمزيد إكبابه وملازمته على هذا المكروه حتى ضيع بسببه الواجب عليه، وأما في الجهل فلما صرحوا به من أنه لو مات إنسان فمضت عليه مدة ولم يجهز ولا صلي عليه أثم جاره وإن لم يعلم بموته، لأن تركه البحث عن أحوال جاره إلى هذه الغاية تقصير شديد فلم يبعد القول بعصيانه وتأثيمه.
فإن قلت: ما الفرق عندنا بين النرد والشطرنج؟ قلت: فرق أئمتنا بأن التعويل في النرد ما يخرجه الكعبان فهو كالأزلام، وفي الشطرنج على الفكر والتأمل وأنه ينفع في تدبير الحرب.
قال الشافعي رضي الله عنه: وأكره اللعب بالحزة والقرق انتهى، والحزة بحاء مهملة وزاي مشددة قطعة خشب يحفر فيها حفر ثلاثة أسطر ويجعل فيها حصى صغار يلعب بها وقد تسمى الأربعة عشر وهي المسماة في مصر المنقلة، وفسرها سليم في تقريبه بأنها خشبة يحفر فيها ثمانية وعشرون حفرة أربعة عشر من جانب وأربعة عشر من الجانب الآخر ويلعب بها ولعلها نوعان فلا تخالف، والقرق بكسر القاف وسكون الراء، وحكى الرافعي عن خط القاضي الروياني فتحهما وتسمى شطرنج المغاربة أن يخط على الأرض خط مربع ويجعل في وسطه خطان كالصليب ويجعل على رأس الخطوط حصى صغار يلعب بها.
قال الرافعي: وفي الشامل أن اللعب بهما كهو بالنرد.
وفي تعليق الشيخ أبي حامد أنه كالشطرنج ويشبه أن يقال ما يعتمد فيه على إخراج الكعبين فهو كالنرد وما يعتمد فيه على الفكر فهو كالشطرنج: قال الأذرعي: وهذا صحيح مليح موافق لفرق الجمهور بين النرد والشطرنج؛ ثم نازع فيما نقله عن الشيخ أبي حامد بأن المحاملي نقل عنه أن الحزة كالنرد، وسليما نقل عنه أن الحزة والقرق كالنرد وبأن البندنيجي صرح بأنها كالنرد، وهؤلاء الثلاثة رواة طريقة الشيخ أبي حامد وتعليقه وهو ما أورده الروياني والعمراني.
ونقل ابن الرفعة في المطلب أن تحريمها هو ما ذهب إليه العراقيون كما صرح به البندنيجي وابن الصباغ ثم ذكر حكاية الرافعي عن تعليق أبي حامد وما بحثه وأقره.
وقال الإسنوي: يؤخذ من بحث الرافعي القرق السابق حلهما لأن كلا منهما يعتمد فيه على الفكر لا على شيء يرمى وأسقط من الروضة هذا البحث.
انتهى.
واعترض الأذرعي ما ذكره بما مر عن سليم وغيره من أنهما في معنى النرد سواء، إذ لو كان المعتمد فيهما الفكر لم يكونا كالنرد سواء، ثم قال الأذرعي ولعل ذلك يختلف باختلاف عادات البلاد أو غير ذلك، انتهى.
والحق أن الخلاف في ذلك ليس له كبير جدوى لأن الضابط إذا عرف وتقرر أدير الأمر عليه، فمتى كان المعتمد على الفكر والحساب فلا وجه إلا الحل كالشطرنج، ومتى كان المعتمد على الحزر والتخمين فلا وجه إلا الحرمة كالنرد.
قال الأذرعي: وقضية ما مر عن الرافعي وقول الماوردي الصحيح الذي ذهب إليه الأكثرون تحريم اللعب بالنرد، وأنه فسق ترد به الشهادة، وهكذا اللعب بالأربعة عشر المفوضة إلى الكعاب وما ضاهاها فهي في حكم النرد في التحريم.
ا هـ.
وتحريم اللعب بما تسميه العامة الطاب والدك فإن الاعتماد فيه على ما تخرجه القصبات الأربع وفي النفس منه شيء إذا خلا عن القمار والسخف، لكنه قد يجر إليهما.
وذكر نحوه في الخادم قال ومثله الكنحفة وأما اللعب بالخاتم فكلام الرافعي في باب المسابقة يقتضي أيضا ويلحق باللعب بالنرد اللعب بالأربعة عشر وبالصدر والسلفة والثواقيل والكعاب والرباريب والذرافات.
قال: وكل من لعب بهذا الجنس فسخيف مردود الشهادة قمارا أو غيره انتهى.
قال الأذرعي وبعض ما ذكر لا أعرفه.
الحاشية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لشهاب الدين: أحمد بن محمد بن حجر الهيثمي المكي الشافعي المتوفى: سنة 974
(2) أحمد بن محمد بن هاني الطائي ويقال الكلبي, أبو بكر الاثرم البغدادي الاسكافي الفقيه الحافظ, روى عن احمد بن حنبل وتفقه عليه وسأله عن المسائل والعلل وعن عبيد الله بن محمد العيشي وعفان وأبي نعيم وغيرهم.
وعنه النسائي وموسى بن هارون والبغوي وابن صاعد ومحمد بن جعفر الراشدي وعدة ,توفي سنة (261). (تهذيب التهذيب).
(3) , (4) , (5) قال المنذري في الترغيب: وقد ورد ذكر الشطرنج في أحاديث لا أعلم لشيء منها إسناداً صحيحاً ولا حسنا والله أعلم (الترهيب من اللعب بالنرد)
(6) رواه أبوداود من حديث معاذ بن جبل قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة».
(7) رواه مسلم في باب الأمر بحسن الظن بالله بسنده عن جابر رضي الله عنه قال سمعت النبى -صلى الله عليه وسلم- يقول «يبعث كل عبد على ما مات عليه».
¥