تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[26 - 05 - 10, 11:36 ص]ـ

كان محمد بن الحسين يكثر الإدلاج إلى بساتينه فيصلي الصبح ثم يعود إلى منزله إذا ارتفعت الشمس وعلا النهار قال محمد بن مقاتل فسألته عن ذلك قال بلغني في حديث عن النبي أنه قال حبب إلي الصلاة في الحيطان.

(كان يستحب الصلاة في الحيطان/ السلسلة الضعيفة)

وذلك أن أهل اليمن يسمون البستان الحائط.

قال محمد بن الحسين:

فخرجت إلى حائط لي لأصلي فيه الفجر، رغبة في الثواب والأجر، فعارضني لصّ جريء القلب، خفيف الوثب، في يده خنجر كلسان الكلب، ماء المنايا يجول على فرنده، والآجال تلوح في حده، فضرب بيده إلى صدري، ومكن الخنجر من نحري، وقال لي بفصاحة لسان، وجراءة جنان:

- انزع ثيابك، واحفظ إهابك، ولا تكثر كلامك، تلاق حُمامك، ودع عنك التلوم وكثرة الخطاب، فلا بد لك من نزع الثياب.

فقلت له: يا سبحان الله! أنا شيخ من شيوخ البلد، وقاض من قضاة المسلمين، يُسمع كلامي، ولا ترد أحكامي، ومع ذلك، فإني من نقلة حديث رسول الله منذ أربعين سنة؛ أما تستحيي من الله أن يراك، حيث نهاك.

فقال لي:

يا سبحان الله! أنت أيضا، أما تراني شابا ملء بدني، أروق الناظر، وأملأ الخاطر، وآوي الكهوف والغيران، وأشرب ماء القيعان والغدران، وأسلك مَخوف المسالك، وأُلقي بيدي في المهالك، ومع ذلك فإني وجل من السلطان، مشرد عن الأهل والأوطان، وحاشى أن أعثر بواحد مثلك وأتركه يمشي إلى منزل رحب، وعيش رطب، وأبقى أنا هنا أكابد التعب، وأناصب النصب.

وأنشأ اللص يقول:

ترى عينيك ما لم ترياه ***** كلانا عالم بالترهات

قال القاضي أراك شابا فاضلا، ولصا عاقلا، ذا وجه صبيح، ولسان فصيح، ومنظر وشارة، وبراعة وعبارة!

قال اللص: هو كما تذكر، وفوق ما تنشر.

قال القاضي: فهل لك إلى خصلة تعقبك أجرا، وتكسبك شكرا، ولا تهتك مني سترا؟ ومع ذلك فإني مسلّم الثياب إليك ومتوفر بعدها عليك.

قال اللص: وما هذه الخصلة؟؟

قال القاضي: تمضي إلى البستان معي فأتوارى بالجدران، وأسلم إليك الثياب، وتمضي على المسارّ والمحاب.

قال اللص: سبحان الله! تشهد لي بالعقل، وتخاطبني بالجهل؟؟

ويحك! من يؤمنني منك؟ أن يكون لك في البستان، غلامان، جَلدان، عِلجان، ذوا سواعد شديدة، وقلوب غير رعيدة، يشداني وثاقا، ويسلماني إلى السلطان، فيحكم فيّ آراءه، ويقضي علي بما شاءه ...

قال له القاضي: لعمري إنه من لم يفكر في العواقب، فليس له الدهر بصاحب، وخليق بالوجل، من كان السلطان له مُراصدا، وحقيق بإعمال الحيل، من كان للسيئات قاصدا، وسبيل العاقل أن لا يغتر بعدوه، بل يكون منه على حذر، ولكن لا حذر من قدر، ولكن أحلف لك ألية مسلم، وجهد مقسم، أني لا أوقع بك مكرا، ولا أضمر لك غدرا.

قال اللص: لعمري لقد حسّنت عبارتك ونمقتها، وحسنت إشارتك وطبقتها، ونثرت خيرك، على فخ ضيرك، وقد قيل في المثل السائر على ألسنة العرب: "أنجز حر ما وعد"، أدرك الأسد قبل أن يلتقي على الفريسة لحياه، ولا يعجبك من عدو حسن محياه، وأنشد:

لا تخدش وجه الحبيب فإنا ***** قد كشفناه قبل كشفك عنه

واطلعنا عليه والمتولي ***** قطع أذن العيار أعير منه

ألم يزعم القاضي أنه كتب الحديث زمانا، ولقي فيه كهولا وشبانا، حتى فاز ببكره وعونه، وحاز منه فقر متونه وعيونه؟؟

قال القاضي: أجل ...

قال اللص: فأي شيء كتبت، في هذا المثل الذي ضربت، لك فيه المثل، وأعملت الحيل؟؟

قال القاضي: ما يحضرني في هذا المقام الحرج حديث أُسنده، ولا خبر أورده، فقد قطعَت هيبتُك كلامي، وصدعت قبضتك عظامي، فلساني كليل، وجناني عليل، وخاطري نافر، ولُبّي طائر.

قال اللص: فليسكن لُبك، وليطمئن قلبك،

اسمع ما أقول، وتكون بثيابك، حتى لا تذهب ثيابُك إلا بالفوائد

قال القاضي: هات.

قال اللص: حدثني أبي عن جدي عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمين المكره لا تلزمه، فإن حلف وحنث، فلا شيء عليه.

وأنت إن حلفت حلفت مكرها، وإن حنثت فلا شيء عليك ...

انزع ثيابك!!!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير