وعَنْ أبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ يَقُوْلُ: "مَنْ سَلَكَ طَرِيْقًا يَلْتَمِسُ فِيْه عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَه طَرِيْقًا إلى الجَنَّةِ، وإنَّ المَلائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَها لطَالِبِ العِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ، وإنَّ العَالِمَ ليَسْتَغْفِرُ لَه مَنْ فِي السَّمَواتِ ومَنْ فِي الأرْضِ حَتَّى الحِيْتَانَ فِي المَاءِ، وفَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كفَضْلِ القَمَرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، وإنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأنْبِيَاءِ، إنَّ الأنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِيْنَارًا ولا دِرْهَمًا إنَّمَا ورَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أخَذَهُ أخَذَ بِحَظٍ وَافِرٍ" ()، وقَالَ أيْضًا: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِه خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّيْنِ" ()!
قَالَ عَلَيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ رَضِي اللهُ عَنْه ():
النَّاسُ فِي جِهَةِ التَّمْثِيْلِ أكْفَاءُ أبُوْهُمُ آدَمُ والأُمُّ حَوَّاءُ
نَفْسٌ كَنَفْسٍ وأرْوَاحٌ مُشَاكِلَةٌ وأعْظُمٌ خُلِقَتْ فِيْهِم وأعْضَاءُ
فإنْ يَكُنْ لَهُم مِنْ أصْلِهِم حَسَبٌ يُفَاخِرُوْنَ بِه فالطِّيْنُ والمَاءُ
مَا الفَضْلُ إلاَّ لأهْلِ العِلْمِ إنَّهُم عَلَى الهُدَى لِمَنِ اسْتَهْدَى أدِلاءُ
وقَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُه وللرِّجَالِ عَلَى الأفْعَالِ أسْمَاءُ
قَالَ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: "العِلْمُ ذَكَرٌ يُحِبُّهُ ذُكُوْرَةُ الرِّجَالِ، ويَكْرَهُهُ مُؤنَّثُوْهُم" ().
أرَادَ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: أنَّ العِلْمَ أرْفَعُ المَطَالِبِ وأجَلُّهَا، كَمَا أنَّ الذُّكُوْرَ أفْضَلُ مِنَ الإنَاثِ، فألِبَّاءُ الرِّجَالِ وأهْلُ التَّمْيِيْزِ مِنْهُم يُحِبُّوْنَ العِلْمَ، ولَيْسَ كالرَّأيِّ السَّخِيْفِ الَّذِي يُحِبُّه سُخَفَاءُ الرِّجَالِ، فَضَرَبَ التَّذْكِيْرَ والتَّأنِيْثَ مَثَلاً ().
فَعِنْدَها عَلَيْكَ يا هَذَا: بِمُرَافَقَةِ الأمْوَاتِ الَّذِيْنَ هُم فِي العَالَمِ أحْيَاءٌ؛ فإنَّهُم يَدُلُّوْكَ السَّبِيْلَ، واحْذَرْ مِنْ مُرَافَقَةِ الأحْيَاءِ الَّذِيْنَ هُمْ فِي النَّاسِ أمْوَاتٌ؛ فإنَّهُم يُضِلُّوْكَ الطَّرِيْقَ!
ولا تَنْسَ قَوْلَ ابنِ مَسْعُوْدٍ رَحِمَهُ اللهُ: "مَنْ كَانَ مُسَّتَنًّا؛ فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، فإنَّ الحَيَّ لا تُؤْمَنُ عَلَيْه الفِتْنَةُ"!
* * *
ومِنْ مُسْتَجَادِ مَا قِيْلِ فِي فَضْلِ أهْلِ العِلْمِ، مَا خَطَّهُ يَرَاعُ الآجُرِّيِّ رَحِمَهُ اللهُ؛ إذْ يَقُوْلُ عَنْهُم: "فَضْلُهُم عَظِيْمٌ، وخَطَرُهُم جَزِيْلٌ، وَرَثَةُ الأنْبِيَاءِ، وقُرَّةُ عَيْنِ الأوْلِيَاءِ، الحِيْتَانُ فِي البِحَارِ لَهُم تَسْتَغْفِرُ، والمَلائِكَةُ بأجْنِحَتِها لَهُم تَخْضَعُ، والعُلَمَاءُ فِي القِيَامَةِ بَعْدَ الأنْبِيَاءِ تَشْفَعُ، مَجَالِسُهُم تُفِيْدُ الحِكْمَةَ، وبأعْمَالِهِم يَنْزَجِرُ أهْلُ الغَفْلَةِ.
هُمْ أفْضَلُ مِنَ العُبَّادِ، وأعْلَى دَرَجَةً مِنَ الزُّهَّادِ، حَيَاتُهُم غَنِيْمَةٌ، ومَوْتُهُم مُصِيْبَةٌ، يُذَكِّرُوْنَ الغَافِلَ، ويُعَلِّمُوْنَ الجَاهِلَ، لا يُتَوَقَّعُ لَهُم بائِقَةٌ، ولا يُخَافُ مِنْهُم غَائِلَةٌ، بِحُسْنِ تَأدِيْبِهِم يَتَنَازَعُ المُطِيْعُوْنَ، وبِجَمِيْلِ مَوْعِظَتِهِم يَرْجِعُ المُقَصِّرُوْنَ ... !
فَهُم سِرَاجُ العِبَادِ، ومَنَارُ البِلادِ، وقِوَامُ الأمَّةِ، ويَنَابِيْعُ الحِكْمَةِ، هُمْ غَيْظُ الشَّيْطَانِ، بِهِم تَحْيَا قُلُوْبُ أهْلِ الحَقِّ، وتَمُوْتُ قُلُوْبُ أهْلِ الزَّيْغِ، مَثَلُهُم فِي الأرْضِ كَمَثَلِ النُّجُوْمِ فِي السَّمَاءِ، يُهْتَدَى بِها فِي ظُلُمْاتِ البَرِّ والبَحْرِ، إذا انْطْمَسَتِ النُّجُوْمُ تَحَيَّرُوا، وإذا أسْفَرَ عَنْها الظَّلامُ أبْصَرُوا" () انْتَهَى.
¥