تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ورَحِمَ اللهُ الزَّرْنُوجِيَّ حَيْثُ قَطَعَ عَنِّي حَبَائِلَ الرَّهْبَةِ، ورَفَعَ عِنْدِي آمَالَ الرَّغْبةِ، بقَوْلِه: "فلَمَّا رَأيْتُ كَثِيْرًا مِنْ طُلابِ العِلْمِ فِي زَمَانِنا يَجِدُّوْنَ إلى العِلْمِ ولا يَصِلُوْنَ، ومِنْ مَنَافِعِه وثَمَرَاتِهِ يُحْرَمُوْنَ، لِمَا أنَّهُم أخْطَئُوا طَرَائِقَه، وتَرَكُوا شَرَائِطَه، وكُلُّ مَنْ أخْطأ الطَّرِيْقَ ضَلَّ، ولا يَنَالُ المَقْصُوْدَ قَلَّ أو جَلَّ" () انْتَهَى.

وكَذَا مَا هُنَاكَ مِنْ تَنَابِيْهَ تَدْفَعُ بِمِثْلِي، فِي صُنْعِ هَذَا المَنْهَجِ، وهُوَ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الحَنَابِلَةِ في عَصْرِه ابنُ بَدْرَانَ رَحِمَهُ اللهُ بقَوْلِه: " اعْلَمْ أنَّ كَثِيْرًا مِنَ النَّاسِ يَقْضُوْنَ السِّنِيْنَ الطِّوَالَ في تَعَلُّمِ العِلْمَ، بَلْ في عِلْمٍ وَاحِدٍ، ولا يُحَصِّلُوْنَ مِنْه عَلَى طَائِلٍ، ورُبَّمَا قَضَوْا أعْمَارَهُم فِيْه، ولَمْ يَرْتَقُوا عَنْ دَرَجَةِ المُبْتَدِئِيْنَ، وإنَّمَا يَكُوْنُ ذَلِكَ لأحَدِ أمْرَيْنِ:

أحَدَهُما: عَدَمُ الذَّكَاءِ الفِطْرِيِّ، وانْتِفَاءُ الإدْرَاكِ التَّصَوُّرِي، وهَذَا لا كَلامَ لَنَا فِيْه، ولا فِي عِلاجِه، والثَّانِي: الجَهْلُ بِطُرُقِ التَّعْلِيْمِ" ().

قَالَ ابْنُ أغْنَسَ ():

مَا أكْثَرَ العِلْمَ ومَا أوْسَعَه مَنَ الَّذِي يَقْدِرُ أنْ يَجْمَعَه

إنْ كُنْتَ لا بُدَّ لَهُ طَالِبًا مُحَاوِلاً فالْتَمِسْ أنْفَعَه

* * *

ومَعَ هَذَا؛ فإنّّنا لَمْ نَزَلْ (للأسَفِ!)، نَرَى كَثِيْرًا مِنْ أهْلِ زَمَانِنَا مِمَّنْ تَصَدَّرَ للعِلْمِ والتَّعْلِيْمِ؛ لا يَسْتَأخِرُوْنَ سَاعَةً فِي تَعْسِيْرِ العِلْمِ عَلَى المُبْتَدِئِيْنَ، وتَنْفِيْرِ المُقْبِلِيْنَ عَلَيْه، وذَلِكَ بتَفْرِيْعِ أُصُوْلِه، وتَشْقِيْقِ فُرُوْعِه، مَا يَقْضِي بِقَطْعِ الطَّرِيْقِ عَلَى طَالِبِ العِلْمِ، وحِرْمَانِ الكَثِيْرِ مِنْ دُرُوْسِ العِلْمِ ... فَتَارَةً نَجِدُهُم يَتَوَسَّعُوْنَ لَهُم فِي المُخْتَصَرَاتِ، وتَارَةً يَتَكَلَّفُوْنَ لَهُم فِي الكَلِمَاتِ، فلَكُمُ اللهُ يا طُلابَ العِلْمِ مِنْ زَبَدِ المُدَرِّسِيْنَ، وسَوَالِبِ المُتَفَيْقِهِيْنَ!

يَقُوْلُ اللهُ تَعَالَى: "ومَا جَعَلَ عَلَيْكُم فِي الدِّيْنِ مِنْ حَرَجٍ" [الحج78]، وقَالَ أيْضًا عَنْ نَبِيِّهِ عَلَيْه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "قُلْ مَا أسْألُكُم عَلَيْه مِنْ أجْرٍ ومَا أنا مِنَ المُتَكَلِّفِيْنَ" [ص86].

وقَالَ عَلَيْه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "إنَّ الدِّيْنَ يُسْرٌ، ولَنْ يُشَادَّ الدِّيْنَ أحَدٌ إلاَّ غَلَبَهُ، فسَدِّدُوا وقَارِبُوا وأبْشِرُوا واسْتَعِيْنُوا بالغَدْوَةِ والرَّوْحَةِ وشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ" ()!

وقَالَ الإمَامُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَه اللهُ: " إنَّمَا العِلْمُ عِنْدَنا الرُّخْصَةُ مِنْ ثِقَةٍ، فأمَّا التَّشْدِيْدُ فَيُحْسِنُه كُلُّ أحَدٍ" ().

* * *

وهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْه ابنُ بَدْرَانَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وهَذَا (الجَهْلُ بِطُرُقِ التَّعْلِيْمِ) وَقَعَ فِيْه غَالِبُ المُعَلِّمِيْنَ، فَتَرَاهُم يَأتِي إلَيْهِم الطَّالِبُ المُبْتَدِئ ليَتَعَلَّمَ النَّحْوَ مَثَلاً فيُشْغِلُوْنَه بالكَلامِ عَلَى البَسْمَلَةِ، ثُمَّ عَلَى الحَمْدَلَةِ أيَّامًا بَلْ شُهُوْرًا، لِيُوْهِمُوْهُ سِعَةَ مَدَارِكِهِم، وغَزَارَةَ عِلْمِهِم، ثُمَّ إذا قُدِّرَ لَهُ الخَلاصُ مِنْ ذَلِكَ، أخَذُوا يُلَقِّنُوْهُ مَتْنًا أو شَرْحًا بِحَوَاشِيْهِ وحَوَاشِي حَوَاشِيْه، ويَحْشُرُوْنَ لَه خِلافَ العُلَمَاءِ، ويُشْغِلُوْنَه بكَلامِ مَنْ رَدَّ عَلَى القَائِلِ، ومَا أُجُيْبَ بِه عَنِ الرَّدِّ، ولا يَزَالُوْنَ يَضْرِبُوْنَ لَه عَلَى ذَلِكَ الوَتَرِ، حَتَّى يَرْتَكِزَ فِي ذِهْنِه أنَّ نَوَالَ هَذَا الفَنِّ مِنْ قَبِيْلَ الصَّعْبِ الَّذِي لا يَصِلُ عَلَيْه إلاَّ مَنْ أُوْتِي الوَلايَةَ، وحَضَرَ مَجْلِسَ القُرَبِ والاخْتِصَاصِ، هَذَا إذَا كَانَ المُلَقِّنُ يَفْهَمُ ظَاهِرًا مِنْ عِبَارَاتِ المُصَنِّفِيْنَ! " () انْتَهَى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير