تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فَلا يَضِيْقُ صَدْرَكُ يا طَالِبَ العِلْمِ بِمَا هُنَا؛ فَكُلُّ مَا رَسَمْنَاهُ في (المَنْهَجِ العِلْمِي)، لَمْ يَكُنْ زَبَدًا يَقْذِفُه طَيْشُ الفِكْرِ، أو رَذَاذَاتٍ يَلْفِظُها رَأسُ القَلَمِ ... بَلْ إنَّها مَعَالِمُ سَلَفِيَّةٌ، وتَجَارُبُ عِلْمِيَّةٌ، قَدَ فَرَضَتْها الأمَانَةُ العِلْمِيَّةُ والنَّصِيْحَةُ الأخَوِيَّةُ، كَمَا قَالَه ابنُ بَدْرَانَ رَحِمَه اللهُ: " طُرُقُ التَّعْلِيْمِ أمْرٌ ذَوْقِيٌّ، وأمَانَةٌ مُوْدَعَةٌ عِنْدَ الأسَاتِذَةِ، فَمَنْ أدَّاهَا أُثِيْبَ عَلَى أدَائِها، ومَنْ جَحَدَها كَانَ مُطَالَبًا بِهَا" () انْتَهَى.

قَالَ ابنُ القَيَّمِ رَحِمَهُ اللهُ: "وفِيْهِ تَنْبِيْهٌ للعُلَماءِ عَلى سُلُوْكِ هَدْي الأنْبِيَاءِ وطَرِيْقَتِهِم في التَّبْلِيْغِ؛ مِنَ الصَّبْرِ والاحْتِمَالِ، ومُقَابَلَةِ إسَاءةِ النَّاسِ بالإحْسَانِ، والرِّفْقِ بِهِم، واسْتِجْلابِهِم إلى اللهِ بأحْسَنِ الطُّرُقِ، وبَذْلِ مَا يُمْكِنُ مِنَ النَّصِيْحَةِ لَهُم؛ فإنَّهُ بذَلِكَ يَحْصُلُ لَهْم نَصِيْبُهُم مِنَ هَذا المِيْرَاثِ العَظِيْمِ قَدْرُهُ، الجَلِيْلِ خَطَرُهُ" () انْتَهَى.

* * *

ومَا أحْسَنَ مَا قَالَهُ الزَّرْنُوجِيَّ رَحِمَه اللهُ تَعَالَى: "ويَنْبَغِي لطَالِبِ العِلْمِ أنْ لا يَخْتَارَ نَوْعَ العِلْمِ بنَفْسِهِ؛ بَلْ يفوِّضُ أمْرَه عَلى الأُسْتَاذِ، فإنَّ الأُسْتَاذَ قَدْ حَصَلَ لَهُ التَّجَارُبُ فِي ذَلِكَ فَكَانَ أعْرَفَ بِمَا يَنْبَغِي لِكُلِّ أحَدٍ ومَا يَلِيْقُ بِطَبِيْعَتِه، وكَانَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّيْنِ يَقُوْلُ رَحِمَهُ اللهُ: كَانَ طَلَبَةُ العِلْمِ فِي الزَّمَنِ الأوَّلِ يُفَوِّضُوْنَ أمْرَهُم فِي التَّعَلُّمِ إلى أُسْتَاذِهِم، وكَانُوا يَصِلُوْنَ إلى مَقْصُوْدِهِم ومُرَادِهِم، والآنَ يَخْتَارُوْنَ بأنْفُسِهِم، فَلا يَحْصُلُ مَقْصُوْدُهُم مِنَ العِلْمِ والفِقْهِ" () انْتَهَى.

نَعَم؛ فإنَّه لا يَهْتَزُّ للعِلْمِ إلاَّ نُفُوْسٌ أبِيَّةٌ، قَدِ ارْتَاضَتْ عَلَى الأنَفَةِ والعِزِّةِ، وعُلُوِّ الهِمَّةِ والقَدْرِ، وأنِفَتْ مِنْ مَعَرَّةِ الجَهْلِ، ومَرَاتِعِ الذُّلِّ والهَوَانِ، وسَئِمْتْ تِيْهَ الحَيْرَةِ والتَّبَعِيَّةِ المَقِيْتَةِ!

المَدْخَلُ الثَّانِي

فَضْلُ عُلُوْمِ الغَايَةِ عَلَى عُلُوْمِ الآلَةِ ()

اعْلَمْ (رَحِمَنِي اللهُ وإيَّاكَ!)، إنَّ َبَعْضَ المُتَصَدِّرِيْنَ للتَّعْلِيْمِ والتَّصْنِيْفِ، قَدْ تَوَسَّعُوا كَثِيْرًا فِي دُرُوْسِهِم العِلْمِيَّةِ مِنَ العُلُوْمِ الآليَّةِ تَوَسُّعًا مَشِيْنًا؛ مِمَّا كَانَ لَهُ أثَرٌ وتَأثِيْرٌ بَالِغَانِ عَلَى عُلُوْمِ الغَايَةِ، مَا جَعَلَ بَعْضَ طُلابِ العِلْمِ يَقِفُوْنَ فِي مُنْتَصَفِ الطَّرِيْقِ، لا عِلْمًا حَصَّلُوا، ولا فَنًّا أصَّلُوا ... !

لأجْلِ هَذَا؛ فاعْلَمْ يَا طَالِبَ العِلْمِ أنَّني لَمْ أفْتَحْ عَلَيْكَ بَابًا وَاسِعًا مِنَ العِلْمِ، بِحَسْبِكَ مِنْه البُلْغَةُ، ولَمْ أُضَيِّقْ عَلَيْكَ وَاسِعًا بِحَسْبِكَ مِنه الغَايَةُ، وذَلِكَ عِنْدَ اقْتِصَارِنا: عَلَى بَعْضِ عُلُوْمِ الآلَةِ الَّتِي فِيْها الكِفَايَةُ والمَقْنَعُ، أمَّا عُلُوْمُ الغَايَةِ فَلا حَدَّ فِيْها ولا نِهَايِةً!

* * *

ومَا أحْسَنَ مَا ذَكَرَهُ العَلامَةُ ابنُ خُلْدُونٍ رَحِمَهُ اللهُ فِيْما نَحْنُ بِصَدَدِهِ؛ إذْ يَقُوْلُ: "فأمَّا العُلُوْمُ الَّتِي هِيَ مَقَاصِدُ فَلا حَرَجَ فِي تَوَسُّعِهِ الكلامَ فِيْها، وتَفْرِيْعِ المَسَائِلِ، واسْتِكْشَافِ الأدِلَّةِ والأنْظَارِ، فإنَّ ذَلِكَ يَزِيْدُ طَالِبَها تَمَكُّنًا فِي مَلَكَتِه وإيْضَاحًا لِمَعانِيْها المَقْصُوْدَةِ، وأمَّا العُلُوْمُ الَّتِي هِيَ آلَةٌ لِغَيْرِها: مِثْلُ العَرَبِيَّةِ والمَنْطِقِ وأمْثَالِهِما؛ فَلا يَنْبَغِي أنْ يُنْظَرَ فِيْها إلاَّ مِنْ حَيْثُ هِي آلَةٌ لِذَلِكَ الغَيْرِ فَقَطُ، ولا يُوَسَّعُ فِيْها الكَلامُ، ولا تُفَرَّعُ المَسَائِلُ؛ لأنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُ بها عَنِ المَقْصُوْدِ، إذِ المَقْصُوْدُ مِنْها مَا هِي آلةٌ لَهُ لا غَيْرُ، فكُلَّمَا خَرَجَتْ عَنْ ذَلِكَ؛ خَرَجَتْ عَنِ المَقْصُوْدِ، وصَارَ الاشْتِغَالُ بِهَا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير