تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لَغْوًا، مَعَ مَا فِيْه مِنْ صُعُوْبَةِ الحُصُوْلِ عَلَى مَلَكَتِها بِطُوْلِها وكَثْرَةِ فُرُوْعِها، ورُبَّمَا يَكُوْنُ ذَلِكَ عَائِقًا عَنْ تَحْصِيْلِ العُلُوْمِ المَقْصُوْدَةِ بالذَّاتِ لِطُوْلِ وَسَائِلِها؛ مَعَ أنَّ شَأنَها أهَمُّ، والعُمُرُ يَقْصُرُ عَنْ تَحْصِيْلِ الجَمِيْعِ عَلَى هَذِه الصُّوْرَةِ، فَيَكُوْنُ الاشْتِغَالُ بِهَذِه العُلُوْمِ الآلِيَّةِ تَضْيِيْعًا للعُمُرِ وشُغُلاً بِمَا لا يُغْنِي!

وهَذَا كَمَا فَعَلَهُ المُتَأخِّرُوْنَ فِي صِنَاعَةِ النَّحْوِ، وصِنَاعَةِ المَنْطِقِ، لا بَلْ وأُصُوْلِ الفِقْهِ؛ لأنَّهُم أوْسَعُوا دَائِرَةَ الكَلامِ فِيْها نَقْلاً واسْتِدْلالاً، وأكْثَرُوا مِنَ التَّفَارِيْعِ والمَسَائِلِ بِمَا أخْرَجَها عَنْ كُوْنِها آلَةً، وصَيَّرَها مَقْصُوْدَةً بذَاتِها، ورُبَّما يَقَعُ فِيْها لذَلِكَ أنْظَارٌ ومَسَائِلُ لا حَاجَةَ بِها فِي العُلُوْمِ المَقْصُوْدَةِ بالذَّاتِ، فتَكُوْنَ لأجْلِ ذَلِكَ مِنْ نَوْعِ اللَّغْوِ، وهِيَ أيْضًا مُضِرَّةٌ بالمُتَعَلِّمِيْنَ عَلَى الإطْلاقِ، لأنَّ المُتَعَلِّمِيْنَ اهْتِمَامَهُم بالعُلُوْمِ المَقْصُوْدَةِ أكْثَرُ مِنِ اهْتِمَامِهِم بِهَذِه الآلاتِ والوَسَائِلِ؛ فإذَا قَطَعُوا العُمُرَ فِي تَحْصِيْلِ الوَسَائِلِ فَمَتَى يَظْفَرُوْنََ بالمَقَاصِدِ؟، فلِهَذَا يَجِبُ عَلَى المُعَلِّمِيْنَ لِهَذِه العُلُوْمِ الآلِيَّةِ أنْ لا يَسْتَبْحِرُوا فِي شَأنِهَا، ولا يَسْتَكْثِرُوا مِنْ مَسَائِلِها، ويُنَبِّهُ المُتَعَلِّمَ عَلَى الغَرَضِ مِنْها، ويَقِفُ بِهِ عِنْدَهُ، فَمَنْ نَزَعَتْ بِهِ هِمَّتُه بَعْدَ ذَلِكَ إلى شَيْءٍ مِنْ التَّوَغُّلِ ورَأى مِنْ نَفْسِه قِيَامًا بِذَلِكَ وكِفَايَةً بِه؛ فلْيَخْتَرْ لنَفْسِهِ مَا شَاءَ مِنَ المَرَاقِي، صَعْبًا أو سَهْلاً، وكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ" () انْتَهَى.

* * *

وبَعْدَ هَذَا؛ فيُرْجَى مِنْ طُلابِ العِلْمِ الأفَاضِلِ العِنَايَةُ بِهَذا البَرْنَامِجِ عِنَايَةً كَبِيْرَةً؛ لأنَّ العُمُرَ قَصِيْرٌ، والعِلْمَ كَثِيْرٌ، والزَّمنَ يَسِيْرٌ؛ وأنْ يَتَقيَّدُوا به لِحُصُولِ الفَائِدَةِ المرْجُوَّةِ؛ كَمَا أنَّنا وَضَعْنَا بَرْنَامِجْنَا (المَنْهَجَ العِلْمِيَّ) عَلَى مَرَاحلَ أرْبَعٍ مُوَافِقَةً للقُدُراتِ العِلْمِيَّةِ إنْ شَاءَ اللهُ، مَعَ بَعْضِ الأضَامِيْمِ العِلْمِيَّةِ، وقَدْ قِيْلَ: ازْدِحَامُ العُلُوْمِ مَضَلَّةُ الفُهُوْمِ؛ لِذَا لَزِمَ الاعْتِكَافُ عَلَيْه مَا أمْكَنَ إلى ذَلِكَ سَبِيْلاً.

يَقُوْلُ ابنُ عَبْدِ البَرِّ رَحِمَهُ اللهُ: "طَلَبُ العِلْمِ دَرَجَاتٌ ومَنَاقِلُ ورُتَبٌ، لا يَنْبَغِي تَعَدِّيْها، ومَنْ تَعَدَّاها جُمْلَةً؛ فَقَدْ تَعَدَّى سَبِيْلَ السَّلَفِ رَحِمَهُمُ اللهُ، ومَنْ تَعَدَّى سَبِيْلَهُم عَامِدًا ضَلَّ، ومَنْ تَعَدَّاهُ مُجْتَهِدًا زَلَّ! " ().

وبمِثْلِه يَقُوْلُ الإمَامُ الزَّبِيْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: "يَجِبُ أنْ لا يَخُوْضَ (طَالِبُ العِلْمِ) فِي فَنٍّ حَتَّى يَتَنَاوَلَ مِنَ الفَنِّ الَّذِي قَبْلَه عَلَى التَّرْتِيْبِ بُلْغَتَه، ويَقْضِي مِنْهُ حَاجَتَه، فازْدِحَامُ العِلْمِ فِي السَّمْعِ مَضَلَّةُ الفَهْمِ.

قَالَ تَعَالَى: "الَّذِيَن آتَيْنَاهُم الكِتَابَ يَتْلُوْنَه حَقَّ تِلاوَتِه" [البقرة121]، أيْ: لا يَتَجَاوَزَوْن فَنًّا حَتَّى يُحْكِمُوْهُ عِلْمًا وعَمَلاً، فَيَجِبُ أنْ يُقَدِّمَ الأهَمَّ فالأهَمَّ مِنْ غَيْرِ إخْلالٍ فِي التَّرْتِيْبِ.

وكَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ مُنِعُوْا الوُصُوْلَ لَتَرْكِهِم الأُصُوْلَ؛ وحَقُّهُ أنْ يَكُوْنَ قَصْدُه مِنْ كُلِّ عِلْمٍ يَتَحَرَّاهُ التَّبَلُّغَ بِهِ إلِى مَا فَوْقَه حَتَّى يَبْلُغَ النِّهَايَةَ" () انْتَهَى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير