قَالَ ابنُ القَيَّمِ رَحِمَهُ اللهُ: "وفِيْهِ أيْضًا تَنْبِيْهٌ لأهْلِ العِلْمِ عَلى تَرْبِيَةِ الأمَّةِ كَما يُرَبِّي الوَالِدُ وَلَدَه؛ فَيُرَبُّوْنَهم بالتَّدْرِيْجِ والتَّرَقِي مِنْ صِغَارِ العِلْمِ إلى كِبَارِهِ، وتَحْمِيْلِهم مِنْه مَا يُطِيْقُوْنَ، كَما يَفْعَلُ الأبُ بوَلَدِهِ الطِّفْلِ في إيْصَالِه الغِذَاءَ إلَيْه؛ فَإنَّ أرْوَاحَ البَشَرِ إلى الأنْبِيَاءِ والرُّسُلِ كالأطْفَالِ بالنِّسْبَةِ إلى آبائِهِم، بَلْ دُوْنَ هَذِه النِّسْبَةِ بكَثِيْرٍ" () انْتَهَى.
وقَالَ الزَّرْنُوْجِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: "ويَنْبَغِي أنْ يَبْتَدِئ بِشَيءٍ يَكُوْنُ أقْرَبَ إلى فَهْمِهِ، وكَانَ الشَّيْخُ الأُسْتَاذُ شَرَفُ الدِّيْنِ العُقَيْلِيُّ رَحِمَهُ اللهُ يَقُوْلُ: الصَّوَابُ عِنْدِي فِي هَذا مَا فَعَلَه مَشَايُخُنا رَحِمَهُمُ اللهُ، فإنَّهم كَانُوا يَخْتَارُوْنَ للمُبْتَدِئ صِغَارَاتِ المَبْسُوْطِ؛ لأنَّه أقْرَبُ إلى الفَهْمِ والضَّبْطِ، وأبْعَدُ مِنَ المَلالَةِ، وأكْثَرُ وُقُوْعًا بَيْنَ النَّاسِ" () انْتَهَى.
وقَدْ قِيْلَ: حِفْظُ حَرْفَيْنِ خَيْرٌ مِنْ سَمَاعِ وِقْرَيْنِ، وفَهْمُ حَرْفَيْنِ خَيْرٌ مِنْ حِفْظِ وِقْرَيْنِ!
والوِقْرُ:: الحِمْلُ الثَّقِيْلُ.
المَدْخَلُ الثَّالِثُ
طَلائِعُ (المَنْهَجِ العِلْمِيِّ)
هُنَاكَ بَعْضُ الطَّلائِعِ العِلْمِيَّةِ، نَسُوْقُها بَيْنَ يَدَيْ كُلِّ مَنْ رَامَ السَّعْيَ حَثِيْثًا وَرَاءَ (المَنْهَجِ العِلْمِيِّ)، وحَسْبُكَ أنَّها مُقَدِّمَاتٌ وتَنَابِيْهُ سَابِقَةٌ، وبَصَائِرُ سَائِقَةٌ للطَّالِبِ قَبْلَ الشُّرُوْعِ فِي مُتَابَعَةِ ما هُنَا مِنْ تَرَاتِيْبَ تَنْظِيْمِيَّةٍ، ومَسَالِكَ تَوْضِيْحِيَّةٍ.
لِذَا؛ يُسْتَحْسَنُ بطَالِبِ العِلْمِ أنْ يَعِيْرَها اهْتِمَامًا، وأنْ يَجْعَلَها لِـ (المَنْهَجِ العِلْمِيِّ) إمَامًا، كُلُّ ذَلِكَ كَيْ يَسْهُلَ عَلَيْه السَّيْرُ، ويَقْرُبَ مِنْه الخَيْرُ، واللهُ مِنْ وَرَاءِ القَصْدِ!
ألا لَنْ تَنَالَ العِلْمَ إلاَّ بسِتَّةٍ سَأُنَبِّئُكَ عَنْ مَجْمُوْعِها ببَيَانِ
ذَكَاءٌ وحِرْصٌ وبُلْغَةٌ وإرْشَادُ أُسْتَاذٍ وطُوْلُ زَمَانِ ()
* * *
* الطَّلِيْعَةُ الأوْلَى: عَلَى طَالِبِ العِلْمِ؛ أنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ مَرْحَلَةٍ مِنْ هَذِه المَرَاحِلِ: سِتَّةَ أشْهُرٍ؛ رَجَاءَ أنْ يُتِمَّ (المَنْهَجَ العِلْمِيَّ) كَامِلاً فِي سَنَتَيْنِ إنْ شَاءَ اللهُ!، ولَهُ أنْ يُتِمَّهُ في أقَلِّ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ أُتِيَ هِمَّةً عَالِيَةً، وعَزِيْمَةً صَادِقَةً، ومِنْ قَبْلُ قَطْعُ العَوَائِقِ، ومَنْعُ الصَّوَارِفِ!، وقَدْ قِيْلَ:
عَلَى قَدْرِ أهْلِ العَزْمِ تَأتِي العَزَائِمُ وتَأتِي عَلَى قَدْرِ الكِرَامِ المَكَارِمُ
وتَعْظُمُ فِي عَيْنِ الصَّغِيْرِ صِغَارُها وتَصْغُرُ فِي عَيْنِ العَظِيْمِ العَظَائِمُ ()
ومَنْ ضَاقَ بِه الزَّمَنُ، فَلَه أنْ يَمْدَّ حَبْلاً مِنَ الوَقْتِ مَا يُحِيْطُ بِه (المَنْهَجَ العِلْمِيَّ)، "فاتَّقُوا اللهَ ما اسْتَطَعْتُم" [التغابن16]، "ومَا أمَرْتُكُم بِشَيْءٍ؛ فَأْتُوا مِنْه ما اسْتَطَعْتُم" ()!
* * *
* الطَّلِيْعَةُ الثَّانِيَةُ: كَمَا عَلَيْه؛ مُرَاعَاةُ تَرْتِيْبِ مُطالَعَةِ ودَرْسِ هَذِه الفُنُوْنِ بِحَسَبِ الرُّقُوْمَاتِ التَّسَلْسُلِيَّةِ ... اللَّهُمَّ إذَا كَانَتْ ثَمَّتُ مَصْلَحَةٌ يَرَاهَا طَالِبُ العِلْمِ، مِمَّا تَعُوْدُ عَلَيْه بِفَائِدَةٍ مَرْجُوَّةٍ، أو تَنْشِيْطِ هِمَّةٍ؛ فَلَهُ أنْ يُقَدِّمَ مَا يَشَاءُ، ويُؤَخِّرَ مَا يَشَاءُ.
* * *
* الطَّلِيْعَةُ الثَّالِثَةُ: كَمَا عَلَيْه؛ أنْ يَعْلَمَ أنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا حَوْلَ الكُتُبِ الَّتِي فِي (المَنْهَجِ العِلْمِيِّ) مِنْ أسْمَاءِ المُحُقِّقِيْنَ، وأسْمَاءِ دُوْرِ النَّشْرِ والمَطَابِعِ؛ لَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ الإلْزَامِ والالْتِزَامِ؛ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الاخْتِيَارِ والانْتِقَاءِ، بَعْدَ عِلْمِنا أنَّها مِنْ أحْسَنِ وأجْوَدِ مَا هُوَ مَوْجُوْدٌ ومُتَدَاوَلٌ بَيْنَ طُلابِ العِلْمِ الآنَ، وهَذَا مَا تَقْتَضِيْهِ النَّصِيْحَةُ الإيْمَانِيَّةُ، والمَحَبَّةُ الأُخَوِيَّةُ.
¥